للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوامى مثل القناة من الخطّ ... وخدّى من لحيتى مكنوس

وكأنه يريد أن يقول للفاضل إن الكلمة استعملها ابن المعتز من قبله وأصبحت بذلك كلمة شعرية ولا بأس على شاعر من استعمالها.

وابن سناء الملك أكبر رمز مصرى فى العصر لاتصال شعراء مصر ونقادها بالأدب الأندلسى، فقد درس موشحات الأندلسيين، ولم يكونوا قد وضعوا عروضها فوضعه لها، وكأنه يحلّ من عروض الموشحات الأندلسية محل الخليل بن أحمد من عروض الشعر العربى، وسنتحدث بشئ من التفصيل عن ذلك فى الفصل التالى.

وقد شغل ابن سناء الملك النقاد فى زمنه وبعد زمنه. لا بما وضعه من عروض الموشحات فحسب، بل أيضا بشعره، فقد كان أنبه شاعر أنجبته مصر حتى أيامه، فشغل النقاد طويلا بأشعاره، وفيه وضع ابن جبارة (١) على بن إسماعيل مواطنه المتوفى سنة ٦٣٢ كتابه «نظم الدر فى نقد الشعر» وهو فى نقد أشعار ابن سناء الملك، والكتاب مفقود، غير أن الصفدى فى كتابه «الغيث المسجّم» الذى وضعه فى شرح لامية العجم نقل عنه أطرافا من نقده لبعض أبيات ابن سناء الملك، ونراه فيها متحاملا عليه تحاملا شديدا أو كما قال الصفدى فى نكت الهميان «متعنتا تعنتا زائدا». من ذلك قول ابن سناء الملك:

بشوك القنا يحمون شهد رضابها ... ولا بدّ دون الشّهد من إبر النّحل

يصف فى البيت منعة صاحبته وأن أحدا لا يستطيع أن يقترب من حماها لبأس قومها وخشية من رماحهم أن تسفك دمه. وتوقّف ابن جبارة بإزاء البيت (٢) وقال إنه أراد أن يمدح قوم صاحبته فهجاهم بالمثل المضمن آخر بيته الذى جعله كفن مّيته لأنه جعل طعن رماحهم كإبر النحل، يقول ابن جبارة: وإبرة النحل لا أثر لها ولا ألم يحصل منها. ويرد عليه الصفدى قائلا:

أما كونه يدعى أنه لا ألم فى إبر النحل ولا ضرر فى الزنابير فهذا مما لم يسمع، وهو تحامل أليس فى إبر النحل والزنابير سمّ يمنع القرب منه والدنو إليه، وغالب الناس يهاب ذلك ولا يقدم عليه، وربما لسع الزنبور بعض الناس فتورّم منه ومات. ورد عليه أيضا ما قاله من أنه شبّه طعن رماح القوم بإبر النحل فهو لم يعقد فى البيت تشبيها، وإنما جاء بمثل ليدل على أن حلاوة ريق صاحبته


(١) انظر فى ابن جبارة نكت الهميان ص ٢٠٨ وبغية الوعاة ص ٣٢٩.
(٢) الغبث المسجم شرح لامية المعجم (طبع مطبعة بولاق) ١/ ٢٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>