للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإنشاء فى دواوين الفاطميين المتوفى سنة ٤٣٣ يكتب بحثا ثانيا فى سرقاته باسم «الإبانة عن سرقات المتنبى» وهو يطيل فى عرض هذه السرقات-كما تتراءى له-مع كثير من الغمز واللمز والتجريح للشاعر الكبير، ويعرض-كما عرض ابن وكيع-لبعض عيوبه اللغوية.

وما تزال مصر معنية بالبحث فى السرقات ويقف عندها مرارا ابن منجب الصيرفى فى رسائله، وما تزال معنية بالمتنبى، بل إنها لتمد عنايتها إلى جميع شعراء العالم العربى. ونرى أضواء من ذلك كثيرة فى كتاب فصوص الفصول (١) لابن سناء الملك شاعر صلاح الدين، إذ نراه يجمع فيه بعض الرسائل المتبادلة بينه وبين القاضى الفاضل، وفيها يعرضان كثيرا لشعراء العالم العربى. ومن طريف ما ذكره ابن سناء الملك فيها أنه سأل القاضى الفاضل لماذا يدور شعر المتنبى على كل لسان، فقال لأنه يشتمل على ما يدور بخواطر الناس من أفكار، يقصد حكمه البديعة. وسأله القاضى الفاضل أن ينتخب مختارات من شعر ابن الرومى فاعتذر عن ذلك بأنه «ليس من أهل اختياره، ولا من الغواصين الذين يستخرجون الدر من بحاره، لأن بحاره زخّارة، وأسوده زآرة، ومعدن تبره مردوم بالحجارة، وعلى كل عقيلة ألف نقاب بل ألف ستارة، يطمع ويوئس، ويوحش ويؤنس، وينير ويظلم، ويصبح ويعتم، شذرة وبدرة، ودرة وآجرّه، وقبلة بجانبها لسعة»، وابن سناء الملك بذلك عبر فى وضوح عن مدى التفاوت بين أشعار ابن الرومى، وهو نقد دقيق، وسأله القاضى الفاضل مرة أخرى صنع منتخب لشعر ابن رشيق، فصنعه، وذكر له فى إحدى رسائله ذلك كما ذكر له أن شعره مسروق من شعر ابن المعتز والمتنبى، يقول: «ولو لم يخلق الله ابن المعتز والمتنبى لما كان ابن رشيق يعرف الشعر فضلا عن أن ينظمه أو يعلمه، وهو ينهب أشعار هذين الرجلين نهبا قبيحا ولا سيما ابن المعتز». وينوّه ابن سناء الملك مرارا فى الرسائل بابن المعتز والبحترى. وقد حملت فيما حملت نظرات نقدية للقاضى الفاضل أحيانا فى بعض أبيات لابن سناء الملك، وأورد القلقشندى فى صبحه نموذجا (٢) من هذه الرسائل المتبادلة بين الأديبيين الكبيرين، إذ أورد رسالة نقد فيها القاضى الفاضل بيت ابن سناء الملك:

صلينى وهذا الحسن باق فربما ... يعزّل بيت الحسن منه ويكنس

لذكره فيه كلمة «يكنس» المبتذلة، وردّ عليه ابن سناء الملك بأنه إنما تابع فى ذلك ابن المعتز فى قوله:


(١) منه مخطوطة بدار الكتب المصرية.
(٢) انظر صبح الأعتى ٢/ ٢٤٩ - ٢٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>