للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يضم كل بيت محسنا من تلك المحسنات. وصنعت لتلك البديعيات شروح تفسرها وتعرض أمثلتها.

ولم تسارع مصر إلى المشاركة فى هذه البديعيات التى أخذت تظهر منذ القرن السابع الهجرى، حتى إذا كنا بأخرة من زمن المماليك وجدنا السيوطى ينظم بديعية يسميها «نظم البديع فى مدح خير شفيع» وله عليها شرح. وتليها بديعية لعائشة الباعونية المتوفاة سنة ٩٣٠. وتعتنى مصر زمن العثمانيين بتلخيص الخطيب القزوينى وشروحه وخاصة شرح السبكى والسعد التفتازانى.

وإذا كانت المباحث البلاغية تأخرت فى مصر لهذا العصر فإن المباحث النقدية شاركتها فى هذا التأخر، ويلقانا فى أوائل العصر-كما مرّ بنا آنفا-كتاب المنصف لابن وكيع فى بيان سرقات المتنبى ومشكل شعره، وقد ذكرنا أنه احتوى على مقدمة فى فنون البديع، وذهب بلاشير إلى أنه ألفه انتصارا لابن حنزابة وزير كافور إذ ترفع المتنبى عن مدحه فأغرى ابن وكيع بنقده (١). وهو يذكر فى تقديمه لكتابه أن جماعة بالغوا فى مديح المتنبى حتى فضلوه على جميع الشعراء بنتائج فكره وبدائع معانيه، فأراد أن يكشف عن مدى تقليده ومحاكاته لمن تقدموه، ويقدم لكلامه بمبحث عن السرقات يصنفها فيه عشرين صنفا. وتحدث حديثا مجملا-عرضنا له-عن فنون البديع، ثم أخذ يفيض فى سرقات المتنبى متعقبا لها فى قصائده مع ترتيبها ترتيبا تاريخيا. وهو بحث قيم بالقياس إلى غيره من بحوث معاصريه ومن جاء بعدهم ممن عنوا ببيان سرقات المتنبى، إذ يدل على كثرة محفوظه وفطتته ودقته فى الفهم. وقديما قلنا إن نقادنا القدماء كان ينبغى ألاّ يتوسعوا فى بحث سرقات الشعر هذا التوسع كما كان ينبغى أن ينحّوا عنه كلمة السرقة ويسموه التحوير الفنى، ويحاولوا أن يتبينوا مدى قدرة الشاعر على هذا التحوير. ونعجب أن يحاول ابن وكيع بيان الإسفاف عند المتنبى وضعفه اللغوى لبيت وقع عليه عفوا هنا أو هناك، والشاعر لا يقاس ببعض عثرات له ندّت عنه، وإنما يقاس بروائع أبياته وفرائدها البديعة. وهذا وأشباهه عند ابن وكيع جعل ابن جنى يؤلف كتابا فى النقض على ابن وكيع فى شعر المتنبى وتخطئته (٢) كما جعل ابن رشيق يقول عنه: «ما أبعد الإنصاف منه» (٣). وربما جرّ ابن وكيع إلى ذلك كله أنه كان شاعرا من ذوق غير ذوق المتنبى فأسرف فى التحامل عليه. ولم يؤدّ كتاب المنصف غايته من الهبوط فى مصر بمنزلة المتنبى فقد مضى كثيرون يبالغون فى تشيعهم له، مما جعل العميدى (٤) محمد بن أحمد كاتب


(١) انظر أبو الطيب المتنبى لبلاشير ترجمة الدكتور إبراهيم الكيلانى (طبع دمشق) ص ٤٨٧.
(٢) معجم الأدباء ١٢/ ١١٣.
(٣) العمدة لابن رشيق ٢/ ٢١٦.
(٤) انظر العميدى فى معجم الأدباء ١٧/ ٢١٢ وإنباه الرواة ٣/ ٢٤٦ وبغية الوعاة للسيوطى ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>