للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التخاطب اليومى، غير أنها كانت متخلفة، إذ لم تحتفظ لنفسها بشئ من التراث الأدبى الفرعونى عند أمثال حوتب الكاتب وبنتاءور الشاعر، واستحالت لغة فقيرة مجدبة فى معجمها اللغوى وفى أساليبها البيانية، وكل ما كانت تحمله حين الفتح كتابات دينية جافة (١)، ليس فيها شئ من روعة البيان، كتبت فى العهد الرومانى أو قبيل الفتح وبعده. وحتى من كان لديه حينئذ ملكة شعرية خصبة من القبط آثر أن ينظم شعره باليونانية محاكيا لهوميروس أو لغيره من شعراء اليونان (٢). ومعنى ذلك أنه لم يكن للقبطية تراث أدبى تستطيع أن تثبت به أمام العربية وتراثها الأدبى البديع. فأخذت تكتسحها وتظفر بألسنة القبط عاما بعد عام.

وعاملان قويان أخذا يعملان بسرعة على تعرب مصر، أما أولهما فدخول كثيرين من القبط فى الإسلام لما رأوا من تعاليمه السامية، ولما استقر فى نفوسهم من أن من يسلم منهم يصبح له جميع حقوق العربى الفاتح فله ما للمسلمين وعليه ما عليهم، يقول بتلر: «كان فى ذلك باعث قوى لكثير منهم على الدخول فى الإسلام لا سيما وقد طحن المقوقس الحاكم الرومانى أو البيزنطى عقيدتهم (الأرثوذكسية) طحنا» (٣). ومعروف أن الرومان أوقل البيزنطيين ساموا القبط خسفا لا يطاق، وكانوا ينهبون طيبات مصر نهبا، ويعتصرون خيراتها اعتصارا، فكان الإسلام للقبط ملاذا وملجئا، وعدّوا العرب مخلصين لهم من ظلم لا يطاق، وأخذوا يدخلون فى دين الله الحنيف، ويمضى بتلر قائلا: «وكذلك دخل فى الإسلام كثير من الروم بعضهم من الجنود وبعضهم ممن حلّ منهم فى مصر». وكلما قطعنا شوطا زمنيا بعد الفتح تزايد عدد الداخلين من القبط فى الإسلام، يدل على ذلك تناقص ضريبة الدفاع المسماة بالجزية التى كانت تؤخذ من القبط، وكانت لا تؤخذ إلا من القادرين على حمل السلاح، فلا تؤخذ من شيخ ولا صبى ولا امرأة ولا راهب، وقلما كانت تزيد على دينار، وربما أصبحت نصف دينار، وكان مقدارها زمن عمر بن الخطاب اثنى عشر ألف ألف دينار، فنقصت فى عهد معاوية إلى خمسة آلاف ألف (٤)، مما يدل بوضوح على دخول كثيرين من القبط فى الإسلام فى الفترة الأولى من الفتح العربى، بحيث لو قلنا إنه دخل نحو نصف السكان فى الإسلام لم نكن مغالين. وظل عدد من


(١) انظر فتح العرب لمصر لبتلر ترجمة محمد فريد أبى حديد ص ٨٥ وموجز تاريخ القبط الملحق برسالة مارمينا الرابعة (مراجعة مراد كامل) ص ١٥٥ وأدب مصر الإسلامية ص ٦.
(٢) راجع أدب مصر الإسلامية ص ٤
(٣) بتلر ص ٢٤٣.
(٤) بتلر ص ٤٠٣ وانظر البلدان لليعقوبى ص ٣٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>