للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يسلمون فى ازدياد مع السنين حتى إذا ولى حيّان بن شريح لعمر بن عبد العزيز بعد نحو ثمانين عاما من الفتح رأيناه يكتب إلى عمر: إن الإسلام قد أضرّ بالجزية، حتى اضطررت إلى اقتراض عشرين ألف دينار أتممت بها عطاء أهل الديوان، وكأنه كان يريد أن يبقى الجزية على من يسلمون من القبط، فكتب إليه عمر كتابا شديد اللهجة قائلا: «أما بعد فقد بلغنى كتابك، وقد ولّيتك جند مصر وأنا عارف بضعفك وقد أمرت رسولى بضربك عشرين سوطا على رأسك. فضع الجزية عمن أسلم قبّح الله رأيك، فإن الله إنما بعث محمدا صلى الله عليه وسلم هاديا ولم يبعثه جابيا يجمع الأموال (١)». وكان كل هؤلاء المسلمين من القبط منذ عهد عمر بن الخطاب يقبلون على حفظ بعض آيات القرآن الكريم واستظهار بعض الحديث النبوى وتعلم العربية مما عمل بوضوح على تعرب مصر.

وعامل ثان لا يقل عن هذا العامل خطرا فى تعريب مصر، هو هجرات القبائل العربية إليها بعد الفتح حين سمعت بخصبها وزروعها وثمارها. وعادة يقف المؤرخون عند هجرات كبيرة لتلك القبائل مثل هجرة القبائل القيسية فى عهد هشام بن عبد الملك ومثل هجرة بنى سليم والقبائل الهلالية فى عهد الدولة الفاطمية. غير أنه كان وراء هذه الهجرات سيل متدفق من هجرة القبائل وعشائرها إلى مصر. وكان كل وال فى العهد الأموى يصحبه كثير من الجند. وكانت مصر قريبة من الجزيرة العربية فنزلها كثيرون من قبائل الشمال وقبائل الجنوب والغرب والشرق. وتعنى كتب ببيان هذه القبائل المهاجرة ومنازلها بمصر مثل كتاب البيان والإعراب عما بأرض مصر من الأعراب للمقريزى. وطبيعى أن تختلط هذه القبائل بسكان مصر لا فى مدنهم فحسب. بل أيضا فى ريفهم. فقد سنّ لهم عمرو بن العاص أو قل سن لجنده أن يرتبعوا أو يقضوا الربيع فى ريف مصر ثم يعودوا إلى الفسطاط. ونشأ عن هذا الاختلاط سريعا ضروب من المصاهرة بين بعض العرب والقبط عقب الفتح إذ يسمى ابن عبد الحكم طائفة من أبناء السلطيسيات القبطيات (٢). من بينهم عون بن خارجة القرشى وعبد الرحمن بن معاوية بن حديج. وخارجة ومعاوية جميعا ممن حضروا الفتح. ولا بد أن اتسع ذلك فيما بعد. مع كثرة هجرة العرب. ومع اختلاطهم بالقبط.

مما جعلهم يتعلمون لسانهم لكى يحسنوا التفاهم معهم. وكانت حاجتهم من وجهات كثيرة تدعو إلى ذلك، فقد كان منهم من يقوم على جمع خراج الأرض للعرب وجمع الجزية. وكانت


(١) خطط المقريزى ١/ ١٤٣.
(٢) فتوح مصر لابن عبد الحكم (طبعة ماسيه) ص ٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>