للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يزيد بن أبى حبيب الذى أقامه عمر بن عبد العزيز بأخرة من القرن الأول الهجرى للفتيا بين الناس، وقد ذكرناه فى الفصل الماضى. كما ذكرنا من كبار القراء بمصر ورشا. وهو أيضا من سلالة القبط، وتقرأ البلاد المغربية إلى اليوم بقراءته. ولا نلبث أن نلتقى بعد ورش بذى النون المصرى الإخميمى وله فضل تأسيس التصوف فى العالم الإسلامى. وهذه الأسماء المنحدرة من سلالة من أسلم من القبط إنما هى رموز فقط. ووراءهم من لا يكاد يحصى من أفذاذ العلماء فى كل فن.

وهذه الموجة الحادة من التعرب لم تقف عند من دخلوا فى الإسلام من القبط. فقد أخذت العربية تشيع على ألسنة كثيرين من القبط أنفسهم، ويبدو أن كثيرين من الرهبان عنوا بتعلمها إذ نجد شماسا يسمى بنيامين كان يلزم الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان فى أثناء ولاية أبيه على مصر يترجم له فصولا من الإنجيل ويشرحها (١). وحتى علماء الإسكندرية نراهم يقبلون على تعلم العربية، حتى ليرسل خالد بن يزيد بن معاوية-كما مر بنا فى الفصل الماضى-بطلب جماعة منهم لينقلوا له بعض كتب الكيمياء والطب، وذكرنا هناك أن عمر بن عبد العزيز استقدم من الإسكندرية الطبيب ابن أبجر، وأسلم على يده، وربما ألف أو نقل له بعض رسائل طبية. ومر بنا أيضا أن ألدومييلى ذكر كتابين فى الكيمياء ألفهما عالم مصرى أو علماء لأوائل القرن الثالث الهجرى، وكان سعيد بن توفيل طبيب أحمد بن طولون يتقن العربية، كما تدل على ذلك ترجمته (٢) فى طبقات ابن أبى أصيبعة. ونلتقى بعده بسعيد بن البطريق بطريرك الإسكندرية (٣٢١ - ٣٢٨ هـ‍) وقد ذكرنا فى الفصل الماضى له كتابا بالعربية فى تاريخ البطاركة والخلفاء.

وذكر له ابن أبى أصيبعة كتابا فى الطب بالعربية. وكل تلك شواهد تؤكد أن مصر بقبطها ورهبانها وبطاركتها تعربت أو كادت فى القرن الثالث الهجرى، يدل على ذلك أننا نجد ساويرس ابن المقفع أسقف الأشمونين المتوفى فى أواخر القرن الرابع الهجرى يشكو شكوى مرة من ندرة اللسانين القبطى واليونانى فى مصر. وليس معنى ذلك أن القبطية طردت نهائيا من مصر ومن كنائسها وأنه لم يعد بين القبط ورهبانهم من يعرفها، بل معناه أنها أخذت فى الزوال وحلت محلها فى ألسنة القبط العربية وخاصة فى لغة التخاطب اليومى، أما هى فانحازت إلى الأديرة والصوامع البعيدة فى الصحراء والصعيد. من ذلك ما يذكره المقريزى المتوفى سنة ٨٤٥ للهجرة عن نصارى


(١) انظر سير الآباء البطاركة لأسقف الأشمونين ساويرس ابن المقفع (بعض أجزاء منه طبع باريس) ص ٢٤.
(٢) راجع عيون الأنباء فى طبقات الأطباء ص ٥٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>