للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخذ تعريب مصر يتكامل كما أسلفنا. ومن أهم شعراء هذه الدولة القاسم بن يحيى المريمى شاعر خمارويه، وله مدائح فيه وأشعار فى وصف السفن والخيل والصيد. وللبحترى مدائح مختلفة فى خمارويه وأبيه أحمد بن طولون، ويذكر ابن تغرى بردى أنه زار مصر لمديح خمارويه (١) وأغلب الظن أن مديحه له ولأبيه إنما كان حين لقيهما فى الشام، فقد كانت تتبعهما، وكانا ينزلان بها كثيرا، ومر بنا فى الفصل الماضى أن خمارويه قتل بدمشق على يد غلمانه. ونزل مصر لعهد تلك الدولة الناشى الأكبر أبو العباس المعروف بابن شرشير المتوفى بها سنة ٢٩٣ وكان من الشعراء المجيدين، ويقول ابن خلكان إنه يعدّ فى طبقة ابن الرومى والبحترى ونظرائهما (٢)، وقد ترجمنا له فى كتابنا العصر العباسى الثانى، وأنشدنا له بعض أشعاره فى جوارح الصيد وآلاته، وله فيها أشعار بديعة كثيرة، وأنشدنا أيضا أشعارا له رائعة فى الغزل تملأ النفس إعجابا. وكانت له قصيدة من الشعر التعليمى تتناول فنونا من العلم فى نحو أربعة آلاف بيت، وقصيدة تاريخية فى نسب الرسول صلى الله عليه وسلم تبلغ نحو ألف بيت وكان له كتاب نقدى فى الشعر وفضله. وبدون شك التفّ حوله كثير من المصريين وأفادوا من شعره وعلمه ونقده بدليل أنه آثر المقام بينهم إلى مماته. ونزل مصر مثله منصور (٣) بن إسماعيل الفقية المشهور بمقطعاته فى الزهد. ويدور بنا الزمن دورة وتظلّ مصر الدولة الإخشيدية (٣٢٣ - ٣٥٨ هـ‍) ويظلّ الشعر ناشطا فى أيامها، ويترجم الثعالبى فى كتابه اليتيمة لطائفة كبيرة من شعرائها مثل صالح بن مؤنس ومحمد بن هرون الأكتمى وعبيد الله بن أبى الجوع والحسن بن محمد الشهواجى وصالح بن رشدين وابن أبى العصام وابن طباطبا الحسنى الرّسّى (٤). ونزل مصر فى عهد كافور المتنبى، كما مرّ بنا فى الفصل الماضى، فأحدث نزوله حركة أدبية واسعة، وكان ابن رشدين وابن أبى الجوع من كبار المعجبين به فعنيا برواية شعره، وظلا يدرسانه للطلاب بعد مبارحته مصر. وممن نزلها زمن كافور كشاجم شاعر الشام المتوفى سنة ٣٦٠ وله فى أديرتها شعر كثير. ونزلها أيضا فى زمنه الناشى الأصغر وامتدحه وامتدح وزيره ابن حنزابة (٥).

ويؤسس الفاطميون دولتهم بمصر وتظل نحو قرنين من الزمان، تتحول فيهما مصر إلى ما يشبه إمبراطورية ضخمة، إذ يمتد سلطانها من شواطى إفريقيا الشمالية إلى الفرات شرقا واليمن جنوبا،


(١) النجوم الزاهرة ٣/ ٩٧
(٢) انظر فيه ابن خلكان ٣/ ٩١ وراجع ترجمته فى العصر العباسى الثانى (الطبعة الرابعة) ص ٤٩٣
(٣) انظر منصور الفقيه فى المغرب (قسم الفسطاط) ص ٢٦٢
(٤) اليتيمة ١/ ٣٨٧ وما بعدها
(٥) معجم الأدباء ١/ ٣٢٢

<<  <  ج: ص:  >  >>