للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد جاءها المعز أول خلفائها الفاطميين وبرفقته شاعره المؤمن بعقيدته الإسماعيلية ابن هانى الأندلسى، ومعه ابنه تميم الشاعر الشاب الفذ، وكان المعز نفسه شاعرا، روى ابن تغرى بردى بعض شعره (١)، وكان ابنه العزيز نزار الذى ولى الخلافة الفاطمية بعده أيضا شاعرا (٢) وكذلك كان الحاكم (٣) والمستنصر (٤)، فطبيعى أن يبعثوا نهضة شعرية فى البلاد، خاصة أنهم كانوا يعنون بالدعاية لعقيدتهم الإسماعيلية، وقصدهم الشعراء فأغدقوا عليهم الأموال والعطايا. وكان يصنع صنيعهم وزير المعز والعزيز: يعقوب بن كلّس، وكان يهوديا وأسلم، ودبّر دولتهما تدبيرا جيدا ومهد لهما قواعد الدولة، وكان الشعراء يترددون عليه ينشدونه المدائح، ولعل مما يدل على كثرتهم حينئذ أننا نجد الذهبى وغيره من المؤرخين يقولون إنه لما توفى سنة ٣٨٠ رثاه مائة شاعر (٥).

ولا بد أن من رثوا المعز وابنه العزيز كانوا أيضا كثيرين، فضلا عمن كانوا ينثرون عليهما أشعار المديح. غير أنه ينبغى أن نعود فنقيد هذا الكلام بعض التقييد لأن أهل مصر لم يكونوا راضين عن الفاطميين لعقيدتهم الإسماعيلية المفرطة فى التشيع المنحرف، كما مر بنا فى غير هذا الموضع.

فلا يصح أن نتخذ من مديح الخلفاء الفاطميين مقياسا لمدى نشاط الشعر فى مصر، فقد كان أوسع من ذلك وأكبر.

وإذا مضينا بعد المستنصر إلى عهد الخليفة الفاطمى الآمر (٤٩٥ - ٥٢٤ هـ‍) وجدنا خبرا مهما يسوقه المقريزى عنه إذ يذكر أنه بنى ببركة الحبش منظرة بها طاقات صوّر فيها جميع الشعراء، كل شاعر واسمه وبلده، وعلى جانب كل طاقة قطعة قماش كتب عليها عند رأس كل شاعر قطعة من مدحه، وبجانب صورة كل شاعر رفّ مذهب. فلما دخل المنظرة وقرأ الأشعار أمر أن يوضع على كل رفّ صرّة مختومة فيها خمسون دينارا، وأن يدخل كل شاعر ويأخذ صرّته بيده (٦) وكان وزيره الأفضل بن بدر الجمالى شاعرا، وروى ابن ميسّر فى أخبار مصر بعض شعره، وكان يجزل العطاء للشعراء. فمدحه كثيرون منهم. ويعرض أمية بن أبى الصلت فى رسالته المصرية أسماء طائفة من مدّاحه وبعض مدائحهم ويلم ببعض من هجوه وهجائهم. ويسمى العماد الأصبهانى فى القسم المصرى من كتابه الخريدة أسماء طائفة من شعرائه. وكان الوزير طلائع بن رزّيك بأخرة من العصر الفاطمى شاعرا، والتف حوله كثير من الشعراء، وخصّهم شاعره الجليس بن الحباب بمصنف


(١) النجوم الزاهرة ٤/ ٧٩
(٢) النجوم الزاهرة ٤/ ١١٣
(٣) النجوم الزاهرة ٤/ ١٩٦
(٤) المصدر نفسه ٥/ ٨١
(٥) النجوم الزاهرة ٤/ ١٥٨
(٦) الخطط ٢/ ٢٦٨

<<  <  ج: ص:  >  >>