للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واسم الأعشى ميمون، وإنما سمى الأعشى لضعف بصره، ومن أجل ذلك كان يكنى بأبى بصير (١). وإذا كنا لا نعرف شيئا واضحا عن نشأته فإنه يتبين لنا من أخباره ومن اسمه «صنّاجة (٢) العرب» أنه انتقل بالشعر الجاهلى نقلة، فإن كلمة صنّاجة تعنى أنه كان يتغنى بشعره، ويبالغون فى ذلك حتى يجعلوا كسرى يستمع لبعض غنائه فيه (٣)! !

وتدلّ أخباره وأشعاره على أنه كان كثير التنقل والأسفار البعيدة فى أنحاء الجزيرة يمدح سادتها وأشرافها، وفى ديوانه مديح للأسود بن المنذر وأخيه النعمان وإياس بن قبيصة الطائى والى الحيرة من بعده، ويظهر أنه كان يقيم بها كثيرا. وفيه أيضا مديح لقيس بن معد يكرب الكندى ولسلامة ذى فائش أحد أمراء اليمن ولبنى عبد المدان بن الديّان سادة نجران ولهوذة بن على سيد بنى حنيفة. وكان يفد على سوق عكاظ، ويمدح من يمر به فى طريقه إليها من شيوخ العرب وأشرافهم (٤).

ولا يكتفى الرواة بما يدل عليه شعره من الرحلة إلى الحيرة واليمن وديار كندة فى حضرموت ونجران وعكاظ بل يذهبون به إلى الفرس وعمان وبلاد الشام متغلغلا فيها إلى حمص وأورشليم (بيت المقدس) ويجتازون به البحر إلى نجاشى الحبشة، ويجرون على لسانه شعرا يتحدث فيه عن هذه الرحلات البعيدة، فيقول: (٥)

وقد طفت للمال آفاقه ... عمان فحمص فأوريشلم

أتيت النجاشىّ فى أرضه ... وأرض النّبيط وأرض العجم

وأكبر الظن أنه لم يصنع شيئا من ذلك وأنه إنما اقتصر فى أسفاره ورحلاته على أطراف اليمن ونجد والحيرة يمدح شيوخ العرب وسادتهم. ووقع-كما يقول الرواة-فى بعض رحلاته بديار بنى عامر ومعه هداياه من بعض ممدوحيه، فخشى على نفسه وعلى هداياه، فاستجار بعلقمة بن علاثة، فقال له قد أجرتك، فقال له الأعشى من الجن والإنس؟ قال: نعم، قال الأعشى: ومن الموت،


(١) ذهب ابن قتيبة إلى أنه كان أعمى. انظر الشعر والشعراء (طبع دار المعارف) ١/ ٢١٢.
(٢) أغانى ٩/ ١٠٩.
(٣) أغانى ٩/ ١١٥ والشعر والشعراء ١/ ٢١٤
(٤) أغانى ٩/ ١١٣ وما بعدها.
(٥) ديوانه القصيدة رقم ٤ وقارن بالقصيدة رقم ٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>