للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: لا. وتمضى القصة فتذكر أن علقمة كان قد اختلف مع ابن عمه عامر ابن الطّفيل على سيادة القبيلة، وتنافرا منافرة حادة، اشترك فيها كثير من الشعراء، فكان مع علقمة مروان بن سراقة والحطيئة ومع عامر لبيد الشاعر المشهور. ولما لم يجر علقمة الأعشى من الموت أتى عامر بن الطفيل فقال له:

أجرنى قال: قد أجرتك، قال: من الجن والإنس؟ قال: نعم قال: ومن الموت. قال: نعم. قال: وكيف تجيرنى من الموت؟ قال: إن مت وأنت فى جوارى بعثت إلى أهلك الدية، فقال: الآن علمت أنك قد أجرتنى من الموت. فمدح عامرا وهجا علقمة (١).

والأعشى فى شعره لا يعيش لمديح السادة والأشراف وأخذ نوالهم فحسب، بل هو يعيش أيضا لقبيلته ومنازعاتها الكبيرة مع بكر ضد الفرس، ففى ديوانه مطولة يهددهم فيها ويتوعدهم كما يتوعد من يقف معهم من العرب مثل إياد (٢)، وهو يعيش كذلك فى منازعات قبيلته مع بنى شيبان، فيتعرض بالوعيد والتهديد ليزيد بن مسهر الشيبانى، على نحو ما تصور ذلك معلقته. فإذا حدثت منازعات صغرى بين عشيرته وأبناء عمومتهم من عشائر قيس بن ثعلبة ناصرها ذاكرا ما بينهم وبينها من أواصر الرحم، على نحو ما نرى فى قصائده التى وجهها إلى بنى جحدر وبنى عبدان. وقد اصطدم عند الأخيرين بشاعرهم جهنّام، فتهاجيا طويلا.

ويقال إنه لما سمع بالرسول صلى الله عليه وسلم وانتصاراته وانتشار دعوته رغب فى الوفود عليه ومديحه، وعلمت قريش بذلك فتعرضت له تمنعه، وكان مما قاله له أبو سفيان بن حرب: إنه ينهاك عن خلال ويحرّمها عليك، وكلّها بك رافق ولك موافق، قال: وما هنّ؟ فقال أبو سفيان: الزنا والقمار والرّبا والخمر. فعدل عن وجهته، وأهدته قريش مائة من الإبل، فأخذها وانطلق إلى بلده معرضا عن الرسول ودعوته، فلما كان بقاع منفوحة رمى به بعيره، فقتله (٣) سنة ٦٢٩ للميلاد.

وهذه الخلال التى ذكرها أبو سفيان والتى جعلته يصد عن لقاء الرسول الكريم تدل على أنه كان وثنيّا مغرقا فى وثنيته، وفى شعره نفسه ما يصور معالم هذه الوثنية،


(١) انظر فى هذه المنافرة وصلة الأعشى بها الأغانى (طبعة الساسى) ١٥/ ٥٥ وديوان الأعشى ص ١٦٥.
(٢) الديوان، القصيدة رقم ٣٤.
(٣) أغانى ٩/ ١٢٥ وما بعدها والشعر والشعراء ١/ ٢١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>