وقد أكبّ على دواوين الشعراء يلتهمها كما أكبّ على الموشحات الأندلسية فى طليعة عمره كما يقول فى مقدمة كتابه النفيس «دار الطراز» الذى سبق أن تحدثنا عنه وقلنا إنه وضع فيه عروض الموشحات، وإنه يقوم فى ذلك مقام الخليل بن أحمد فى وضعه عروض الشعر العربى، ونراه يختم بعض موشحاته بأقفال أعجمية مما يدل على معرفته بالفارسية. ويشهد وضعه لعروض الموشحات وضعا نهائيا بذكاء خارق.
وقد تفتحت موهبة ابن سناء الملك الشعرية مبكرا تفتحا راع القاضى الفاضل كبير أدباء زمنه، فاستاذن أباه فى أن يتخذه كاتبا بين يديه، وأذن له، وأضفى عليه من إعجابه بشعره وودّه ما أصبح به أبا روحيا له ولفنّه. ومن خير ما يصور هذه الأبوة الروحية كتاب ابن سناء الملك المسمى «فصوص الفصول» ومنه نسخة مخطوطة بدار الكتب المصرية، والكتاب فى جمهوره مراسلات بين ابن سناء الملك وأبيه جعفر من جهة وبين القاضى الفاضل من جهة ثانية حين كان يذهب إلى الشام فى رفقة صلاح الدين، فيكاتب الشاعر وأباه، وخاصة حين يرسل إليه ببعض مدائحه فيه أو فى صلاح الدين. وهى ليست مكاتبات إخوانية فحسب، بل هى أيضا ملاحظات نقدية على الشعراء السالفين والمعاصرين وخاصة ابن سناء الملك نفسه وأشعاره. وتموج رسائل الفاضل فيها بثناء غدق عليه من مثل قوله عن بعض قصائده:«ما يرينا من آية إلا هى أكبر من أختها، وما يجلو علينا عروسا إلا وقد جمع بين حسنها وبختها، وقلما يجمع بين الحسن والبخت» ويفضّلها على المعلقات. ويمدحه مرة ثانية فيقول: لله درّ تلك الأنفاس التى تستخف عقول الرجال، بل عقود الجبال. . ولقد أبقى للآباء ذكرا، وللأبناء فخرا، وأرسلها مقلّدات، فأرهفها مجرّدات، وأثارها أوابد، فنظمها قلائد». ويشيد الفاضل بموشحاته كما يشيد بأشعاره رافعا منزلته فيها على منزلة الأندلسيين درجات. ويهمنا ما يسجله كتاب فصوص الفصول من أنه كان ناقدا كما كان شاعرا.
واختصر ابن سناء الملك كتاب الحيوان للجاحظ، باسم روح الحيوان، ويقول ابن خلكان إنها تسمية لطيفة، ويذكر له كتابا ثانيا باسم مصايد الشوارد. وكان ناثرا بارعا كما كان شاعرا مبدعا، يقول ابن خلكان: «ومن نثره فى وصف النيل فى سنة كان ناقصا، ولم يوف الزيادة، التى جرت بها العادة: «وأما أمر الماء فإنه نضبت مشارعه، وتقطعت أصابعه، وتيمم العمود (عمود المقياس) لصلاة الاستسقاء، وهمّ المقياس من الضعف بالاستلقاء». يقول ابن خلكان:«وهذا من أحسن ما يوصف به نقصان النيل». وزعم ابن سعيد فى كتابه المغرب أنه