كان غاليا فى التشيع، وربما دفعه إلى ذلك أنه وجده يمدح القاضى الفاضل فى يوم عاشوراء ذاكرا مقتل الحسين الشهيد فيه يقول:
يوم يساء به وفي ... هـ كلّ شيعىّ وسنّى
ولم يكن القاضى الفاضل شيعيا، بل كان سنّيّا ومثله ابن سناء الملك، وهو لذلك يقول إن ذكرى هذا اليوم تحزن السنيين والشيعة معا. وقد أشار فى رثائه لبعض العلويين من أصهاره إلى نوم الخلق عن ثأر الحسين. وفى رأينا أنه ليس فى ذلك ما يعارض سنيته، فإن مصرع الحسين يأسى له الطرفان المتعارضان من أهل السنة والشيعة جميعا، وقد صرح فى مدحه للقاضى بأنه سنى رغم حبه وتشيعه له يقول:
وغدوت فى حبى له متشيّعا ... من ذا رأى متشيّعا متسنّنا
وليس من المعقول أن ينال حظوة القاضى الفاضل وصلاح الدين شاعر شيعى غال فى تشيعه.
ويبدو أن الصفدى قرأ هذه التهمة عند ابن سعيد، وأكدها عنده أنه قرأ فى ديوان ابن الساعاتى هجاء له فى ابن سناء الملك حين سقط عن جواد له كان يسمى الجمل، فزعم أنه إنما سقط عنه لبغضه أم المؤمنين السيدة عائشة وأباها الصدّيق أبا بكر، يقول:
أبغضت بالطبع أمّ المؤمنين ولم ... تحبب أباها فجاءت وقعة الجمل
وهو هجاء لابن الساعاتى جرّه إليه أن اسم الجواد الجمل، وله فيه أهاج مختلفة كما يشهد ديوانه، وكأنه ذكر ذلك كيدا له. وقد أشاد فى مقدمته لفصوص الفصول بالصحابة جميعا، ولم يخص على بن أبى طالب بتنويه. ومر بنا أنه تتلمذ على الحافظ السلفى أكبر سنىّ فى عصره.
وكان ابن سناء الملك يعيش فى رغد من العيش، لثراء أبيه، وفى الديوان أنه أهداه مرة بستانا ومرة فندقا. وظل موظفا فى ديوان الإنشاء منذ بواكير حياته، وبعد وفاة صلاح الدين واستعفاء القاضى الفاضل من عمله ظل يعمل فى الديوان مع السلطان العزيز ثم أخيه السلطان الأفضل ثم السلطان العادل وابنه الكامل، حتى إذا كانت سنة ٦٠٦ عهد إليه السلطان الكامل بتدبير ديوان الجيش، غير أنه استعفاه فأعفاه. ولم يلبث أن توفى سنة ٦٠٨. ولم يكن يعمل مع كل أولئك السلاطين فحسب، بل كان يقدم إليهم مدائحه وكانوا يجزلون له فى العطاء، وبالمثل كان يجزل له فى العطاء أمراء البيت الأيوبى حين كان يمدحهم، وفى ديوانه مدائح كثيرة لهم ولصفى الدين بن شكر وزير السلطان العادل. فالأموال كانت تغدق عليه بالإضافة إلى راتبه