وما ورثه عن أبيه مما يؤكد أنه عاش مترفا منعما. وفى ديوانه أشعار كثيرة يصف فيها داره التى كانت تطلّ على النيل وحديقتها وما كان بها من نافورات، وكانت منتدى للشعراء من أصدقائه وكانت تجرى بينهم فيها محاورات ومفاكهات طريفة.
ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن ابن سناء الملك، أكبر شاعر ظهر بمصر قبل العصر الحديث، وقد أوضحنا فى مقال عنه بكتابنا فصول فى الشعر ونقده تمثيله فى أشعاره للروح المصرية، من ذلك ما يجرى فى أساليبه من السهولة التى تعد انعكاسا لما يشعّ منها فى روح المصريين أبناء النيل وأوديته وسهوله وما أسبغ على ساكنى ضفافه من حياة سهلة، مما دفعه إلى استخدام بعض الكلمات العامية المألوفة فى ألسنة المصريين مثل «ياما بمعنى كثير جدا، ومثل «ودينى هو علىّ أكثر» ومثل «على عينى». ومن ذلك الرقة فى ألفاظه ومعانيه وما يتصل بها من اللين والدماثة، مما جعله يكثر من التغزل بمن فقدن أبصارهن من الفتيات والنساء كقوله فى إحداهن:
شمس بغير الليل لم تحجب ... وفى سوى العينين لم تكسف
مغمدة المرهف لكنها ... تفتك بالغمد بلا مرهف (١)
فهى شمس منيرة تحجبها غلالة من الليل، شمس أصابها فى عينيها كسوف، ونورها يغمر كل ما حولها وإن جفونها لتطبق على عينيها إطباق الغمد على سيفه، ومع ذلك تفتكان بمن يبصرهما كما يفتك السيف القاطع. ويتجسّد تمثل ابن سناء الملك للروح المصرية فى تعلقه الشديد-مثل المصريين جميعا-بوطنه ونفوره من الغربة حين يذهب إلى القاضى الفاضل بالشام فى إحدى القضايا المهمة، حتى ليقول:
ووالله ما أشرى الشآم وملكه ... وغوطته الخضرا بشبرين من شبرا
فغوطة دمشق بمشاهدها الساحرة بل الشام وملكه وصولجانه، كل ذلك لا يشتريه بشبرين من شبرا: إحدى ضواحى القاهرة. وصفة مصرية رابعة ماثلة بالقوة فى شعره هى حبه لأبويه وأسرته حيّا يملك عليه كل شئ من أمره، مما نراه ماثلا فى مراثيه لأمه وأبيه وجده وزوجه وأخته وإخوته. وله فى أبيه مدائح بديعة من مثل قوله وكأنه يمدح بعض السلاطين:
يا سائلا عن معاليه ليشهرها ... البدر فى الأفق يستغنى بشهرته