للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذاك الذى يبسم الدهر العبوس به ... تيها وتبتهج الدنيا ببهجته

ونحسّ فى مديحه لأبيه بسعادته سعادة غامرة وهو يتحدث عن منزلته وأدبه وعلمه وشيمه فى إجلال وإكبار يفوقان الوصف. وأيضا ما تمتاز به مصر من تعلق بالدين نجده مصورا فى أشعاره.

وأهم من استنفد مدائحه صلاح الدين والقاضى الفاضل، ومعروف أن صلاح الدين قضى على أسطورة الصليبيين وما كان يقال عن بأسهم وما أسّسوه فى الشام من ممالكهم فقد مزق جموعهم تمزيقا، وردّ فلولهم إلى البحر المتوسط وما وراءه. وقد مضى ابن سناء الملك يمدحه مدائح رائعة منذ إعداده لحرب الصليبيين ومدّ سلطانه على حلب وغيرها من ديار الشام، وجمعه للعرب تحت لوائه، حتى ينقضّ بهم على حملة الصليب، وله يقول:

بدولة التّرك عزّت ملّة العرب ... وبابن أيوب ذلّت شيعة الصّلب

وفى زمان ابن أيوب غدت حلب ... من أرض مصر وعادت مصر من حلب

وكأنه كان يستشعر فى عمق أمنية توحيد العالم العربى. وله فى صلاح الدين مدائح كثيرة يصور فيها بطولته وبطولة جيوشه وسحقهم للصليبيين. ومازال صلاح الدين ينزل بهم الدمار ويأخذ منهم الحصون والبلاد حتى كانت هزيمتهم الكبرى فى موقعة حطّين، وفيها جرت دماؤهم أنهارا وتعمّ الفرحة الديار العربية، ويهنئ ابن سناء الملك صلاح الدين بهذا النصر المبين قائلا:

لست أدرى بأىّ فتح تهنّا ... يا منيل الإسلام ما قد تمنّى

أنهنّيك إذ تملّكت شاما ... أم نهنّيك إذ تملّكت عدنا

قد ملكت الجنان قصرا فقصرا ... إذ فتحت الشآم حصنا فحصنا

لك مدح فوق السموات ينشا ... ومحلّ فوق الأسنّة يبنى

حملوا كالجبال عظما ولكن ... جعلتها حملات خيلك عهنا (١)

لم تلاق الجيوش منهم ولكن‍ ... ك لا قيتهم بلادا ومدنا

وتصيّدتهم بحلقة صيد ... تجمع الّليث والغزال الأغنّا (٢)


(١) يشير إلى الآية الكريمة: (وتكون الجبال كالعهن المنفوش). والعهن: الصوف.
(٢) الغزال الأغن: الذى يخرج صوته من خياشيمه.

<<  <  ج: ص:  >  >>