للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقصيدة مديح رائع وتحمل كثيرا من الصور المبتكرة، وقد مضى فيها يصور أخذ صلاح الدين لصليب الصلبوت الذى يزعم المسيحيون أن المسيح صلب عليه، ويغريه بإحراقه، كما يصور أخذه لطبرية وعكا ونابلس وبيت جبريل وتبنين وغيرها من مدن الشام وحصونه، وذكر فتكه بأرناط صاحب الكرك بيده جزاء وفاقا لسوء فعله وقوله لتعرضه القبيح للحجاج المصريين ولإعداده أسطولا-كما مر بنا-لغزو مكة والمدينة، ولما نقل إليه عنه من استخفافه بالرسول عليه السلام.

ومدائحه فى القاضى الفاضل كثيرة حتى لتعدّ بالعشرات، إذ كاد لا يترك مناسبة دون أن يهديه من أشعاره، فهو يهديها له فى الأعياد وفى القدوم من الشام ومن الحج وفى انتصارات صلاح الدين، إذ كثيرا ما ينوّه بها فى مدائحه له، وهو فيها يبالغ مبالغات كثيرة من مثل قوله:

صوّر الله ذلك الشخص نورا ... وجميع الأنام ماء وطين

وقوله:

وما الدهر إلا خادم أنت ربّه ... وما الخلق إلا عالم أنت فاضله

وقوله:

الدهر مدّ إليه كفّ مفتقر ... فمدّ للدهر منه لحظ محتقر

فى كفّه قلم إن شئت أو قدر ... يصرّف الخلق بين النفع والضرر

وهو يكرر معنى البيت الثانى ويطيل فيه، وله يقول:

بميمون رأيك كان الفتوح ... ومنصور عزمك كان الغلب

وكثيرا ما يردد هذا المعنى وكأنه يشير إلى قولة صلاح الدين المشهورة: لم أنتصر على الأعداء بسيفى وإنما انتصرت بقلم القاضى الفاضل، وفيه يقول واصفا كرمه الفياض:

لا يستقرّ المال فوق بنانه ... حتى كأن بنانه مخروق

يا طالبين ذرى علاه توقّفوا ... ومؤمّلين ندى يديه أفيقوا

وهما بيتان رائعان فى وصف الجود، وبحق كان القاضى الفاضل يستحق منه كل ثناء وكل تكريم فقد رعاه أعظم رعاية، ونوه بأشعاره تنويها ليس وراءه غاية وبحقّ، يقول له:

شكرى لنعماك شكر الأرض للمطر ... أولا فشكر سواد العين للنظر

<<  <  ج: ص:  >  >>