للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهو يشكره شكر الأرض المجدية للغيث المدرار الذى يحيى مواتها، بل شكر سواد العين لنور البصر الذى يصلها بالوجود ومشاهده. وله فيه صور كثيرة مبتكرة مثل قوله فى جوده المنهمر على الناس:

وقصّر البحر عنه فهو مكتئب ... أما تراه بكفّى موجه التطما

وولّت السحب-إذ جارته-باكية ... أما ترى الدمع من أجفانها انسجما

فالبحر يشعر إزاء كرمه بقصوره حتى ليندب حظه ويلطم وجهه بكفى موجه، وإن الغيث ليبكى بدموع غزار لا تزال تنهمل. ونحسّ بفرحة تسرى فى كثير من مدائحه للفاضل كما نحس خفة الظل التى يشتهر بها المصريون وخاصة فى تخلصاته من الغزل إلى المديح كقوله:

ضنّت بطرف ظلّ يعدى سقمه ... أرأيتم من ضنّ حتى بالضّنا

إنى رأيت الشمس ثم رأيتها ... ماذا علىّ إذا هويت الأحسنا

وسألت من أىّ المعادن ثغرها ... فوجدت من عبد الرحيم المعدنا

أبصرت جوهر ثغرها وكلامه ... فعلمت حقّا أن هذا من هنا

وضنّ صاحبته بالطرف وعدواه وضنّها حتى بالسقم أو بالضّنا غريب، وتلطّف فى التخلص من الغزل إلى مديح القاضى الفاضل عبد الرحيم ما شاء له التلطف والرشاقة وخفة الروح وعذوبة الكلم. وله فى غزله كثير من هذه التصاوير المبتكرة، كقوله:

أقمت على عاشقيك القيامه ... بورد لخدّ وغصن لقامه

فمن ورد خدّك كيف النّجاة؟ ! ... ومن غصن قدّك كيف السلامه

وقوله:

وأشكو إلى ليل الغدائر غدرها ... وأملى عليه وهو فى الأرض يكتب

وقوله:

ألقى حبائل صيد من ذوائبه ... فصاد قلبى بأشراك من الشّعر

وقوله:

لا تخش منى فإنى كالنسيم ضنا ... وما النّسيم بمخشىّ على الغصن

<<  <  ج: ص:  >  >>