للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وواضح فى البيت الثانى ما كان يردده شعراء الفاطميين من أن الأئمة منهم ومن الأنبياء خلقوا من جوهر لطيف مصفّى وأن أجسادهم ليست كأجساد البشر المادية الغليظة، بل هى أجساد نورانية شفافة. والبيت الثالث يصور بوضوح مبدأ طاعة الإمام فى مذهب الإسماعيلية وأنها واجبة بحيث يفوّض إليه أتباعه أمورهم دون أى مناقشة أو سؤال، إذ هى فريضة توجب طاعة الإمام، وجزء لا يتجزأ من إيمانهم بالدعوة الإسماعيلية. وكانوا يزعمون أن كل إمام من الفاطميين له مرتبة قائم القيامة أو كما يسمونه المهدى المنتظر، وبذلك يخاطب تميم أخاه قائلا (١):

أنت المسمّى المرجّى قبل مولدو ... والخامس القائم المذكور فى الكتب

وهو يشير فى أول البيت إلى ما كان يؤمن به الإسماعيليون فى الإمامة من فكرة الوصية الشرعية وأن كل إمام تال وصى لسلفه كما قدّر الله وقضى ولا راد لقضائه، ويقول إنه القائم أو المهدى المنتظر وأنه خامس الخلفاء الفاطميين منذ جهرهم بالدعوة فى المغرب، وهم المهدى والقائم والمنصور والمعز ثم العزيز الخامس، أما من كانوا قبلهم فلم يجهروا بالدعوة بل كانوا مستترين يدعون لها سرّا. ويقول تميم أيضا فى العزيز (٢):

ما أنت دون ملوك العالمين سوى ... روح من القدس فى جسم من البشر

نور لطيف تناهى فيك جوهره ... تناهيا جاز حدّ الشمس والقمر

معنى من العلّة الأولى التى سبقت ... خلق الهيولى وبسط الأرض والمدر

والبيت الأول يشير فيه تميم بصراحة إلى ما كان يؤمن به الإسماعيليون من أن للإمام نسبتين:

نسبة بروحه إلى عالم القدس، ونسبة بجسده إلى عالم الطبيعة، أما نسبته إلى عالم القدس فهى الجانب النورانى فيه، وهو جانب صاف لطيف، يجعل عقله فوق عقول البشر، عقلا ممثلا للعقل الكلى الفعّال المتصل بالله، وقد سماه بالعلة الأولى، وجعله معنى من معانيه. وأوغل الإسماعيليون فى هذا التصور حين قالوا إن الإمام مدبّر الكون، وما يقولون إلا زورا وبهتانا. وتميم يقول إن هذا العقل الأول أو العلة الأولى أول ما خلق الله، فهو سابق لخلق الهيولى أو المادة وخلق الأرض وما عليها. ونمضى فى قراءة ديوان تميم فنجده يقول فى إحدى مدائحه للعزيز (٣):

وإنّ جميع الغيب لله وحده ... تبارك من ربّ ومن صمد وتر

وما علمت منه الأئمة إنما ... رووه عن المختار جدّهم الطّهر


(١) الديوان ص ٦٩.
(٢) الديوان ص ٢٢٤.
(٣) الديوان ص ٢٠٧. والوتر: الفرد.

<<  <  ج: ص:  >  >>