للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتميم يجعل الغيب فى البيت الأول لله وحده، وأشرك الرسول صلّى الله عليه وسلم معه فى علمه، وكأنه يصدر فى ذلك عن قوله جلّ شأنه: {(عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلاّ مَنِ اِرْتَضى مِنْ رَسُولٍ)} ولو أنه سكت عند بيان ذلك لما كان فى كلامه غلو، ولكنه لم يسكت بل أضاف أن الأئمة يعلمونه عن طريق الرسول مشيرا إلى ما يزعمه الإسماعيلية من توارث أئمتهم لعلم الغيب عن الرسول وهو تماد فى الغلو والبهتان.

وسنرى ابن هانئ يتمادى مثل تميم فى الغلو، بل لعله يزيد عنه درجة أو درجات، ونرجع إلى كتب التاريخ والشعر والشعراء فلا نجد أصداء واضحة لهما فضلا عن أن تكون قوية فى أشعار من خلفوهما فى القرنين الرابع والخامس للهجرة إلا ما كان من المؤيد داعى الدعاة لعهد المستنصر ولم يكن مصريا، بل كان إيرانيا، وسنخصه بكلمة بعد ابن هانئ، والشاعر المصرى الوحيد الذى ردّد هذا النغم الإسماعيلى الغالى هو ظافر الحداد المتوفى سنة ٥٢٩ وسنترجم له بعدهما، وكان يعاصره على بن محمد الأخفش وهو مغربى وليس مصريا، ونرى العماد الأصبهانى ينشد له فى الخريدة بيتا فى الخليفة الآمر قائلا (١):

إلى ذروة النّور العلائىّ إنه ... إلى ذروة النّور الإلهىّ ينسب

وهو ينسب الآمر إلى نور الأنوار، إلى النور الإلهى الذى يعم الأكوان. ويذكر له العماد قصيدة فى الخليفة الحافظ ملاحظا أن الغلو أفضى به إلى الكفر الصريح، إذ يقول فيه مستطردا من وصف الخمر إلى مديحه (٢):

صرف جريال يرى تحريمها ... من يرى الحافظ فردا صمدا

بشر فى العين إلا أنّه ... من طريق العقل نور وهدى

جلّ أن تدركه أعيننا ... وتعالى أن تراه جسدا

فهو فى التسبيح زلفى راكع ... سمع الله به من حمدا

تدرك الأفكار فيه نبأ ... كاد من إجلاله أن يعبدا

وهو يسبغ على الحافظ صفات الله من الفردية والصمدية، وكان دعاتهم يزعمون أن الله


(١) الخريدة (قسم شعراء مصر) ١/ ٢٣٩
(٢) الخريدة ١/ ٢٤١ والجريال: الخمر

<<  <  ج: ص:  >  >>