للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينبغى أن ينزّه عن الصفات والأسماء، وأن ما فى القرآن الكريم من أسمائه وصفاته إنما هى صفات العقل الكلى الأول وأسماؤه. ومرّ بنا آنفا أنهم كانوا يزعمون أنه ممثول الأئمة، ومن هنا أضفوا عليهم أسماءه وصفاته، وبالغوا فجعلوهم تجسدا للذات العلية، بل إن ابن الأخفش يخلى الحافظ من كل تجسد ومادة، فهو نور خالص لا تدركه الأعين. ويتمادى فى هذا الغلو والبهتان الآثم، حتى ليكاد يجعله معبود الإسماعيلى فى ركوعه وقيامه. ويلقانا نفس الغلو المقيت عند الشريف ابن أنس الدولة داعى دعاتها، إذ يروى أن الخليفة الحافظ صعد المنبر يوم عيد، فوقف بإزائه، وقال يخاطب المصلين (١):

خشوعا فإن الله هذا مقامه ... وهمسا فهذا وجهه وكلامه

وهذا الذى فى كلّ وقت بروزه ... تحيّاته من ربّنا وسلامه

وهو غلو ما بعده غلو، بل هو انحراف عن جادّة الدين ما بعده انحراف، وكأنما الحافظ تجسيد للذات الإلهية على نحو ما جسّد المسيحيون الرب فى المسيح.

ويلقانا بأخرة من أيام الدولة الفاطمية يحيى بن حسن بن جبر، وله مجموع (٢) فى مدائح بنى أبى أسامة كتّاب الإنشاء فى عهد الحافظ والآمر من قبله، ألفه سنة ٥٢٥ وجعله الشيخ الأمينى فى الغدير من شعراء المستنصر فى سنة ٤٨٧ وهو متأخر عنه بشهادة ترجمة العماد الأصبهانى فى الخريدة إذ أنشد له شعرا فى ابن (٣) رزّيك الوزير الفاطمى من سنة ٥٤٩ حتى سنة ٥٥٦ وله قصيدة فى فضائل على بن أبى طالب وبكاء الحسين أنشدها صاحب «الغدير» وفيها يقول (٤):

يا آل أحمد كم يكابد فيكم ... كبدى خطويا للقلوب بواكى

كبدى بكم مقروحة ومدامعى ... مسفوحة وجوى فؤادى ذاكى

وإذا ذكرت مصابكم قال الأسى ... لجفونى اجتنى لذيذ كراك (٥)

وابكى قتيلا بالطفوف لأجله ... بكت السماء دما فحقّ بكاك

وهو يغلو فى مديح على بن أبى طالب، وينسب له كثيرا من معجزات غير ثابتة، كرد الشمس إليه ببابل لقضاء فرض كان سيفوته وقته، ويزعم أن الريح سخّرت له رخاء، ويقول إنه


(١) خطط المقريزى ٢/ ٢١٤.
(٢) الخريدة ٢/ ١٠٥
(٣) الخريدة ٢/ ٢٣١ وما بعدها
(٤) شعراء الغدير ٤/ ٣١٣ وانظر أدب الطف ٢/ ٣٢٨.
(٥) كراك: نومك.

<<  <  ج: ص:  >  >>