وجمع المعز أسبابه وتوجه إلى مصر سنة ٣٦٢ وشيعه ابن هانئ ورجع إلى أسرته بالمغرب لأخذها معه واللحاق به، وتجهز وتبعه، غير أنه اغتيل فى برقة لشهر رجب سنة ٣٦٢ ويقال إنه لم يشّيع المعز بل كان فى صحبته إلى أن دخل مصر ثم عاد إلى المغرب لأخذ عياله، واغتيل ببرقة كما ذكرنا. ولما بلغت المعز وفاته حزن عليه وتأسف قائلا: هذا الرجل كنا نرجو أن نفاخر به شعراء المشرق فلم يقدّر لنا ذلك. ولعله لم يكن يريد أن يفاخر به من حيث روعة شعره فحسب، بل كان أيضا يريد أن يفاخر به من حيث استظهاره للعقيدة الإسماعيلية ومبادئها المفرطة فى الغلو إفراطا بعيدا حتى لتنحرف عن الإسلام وجادّته.
وبمجرد أن نقرأ فى ديوان ابن هانئ نراه يردد أن إمامة الفاطميين ربانية وأنها فريضة مكتوبة على كل مسلم وأنهم يتوالون بترتيب إلهى وأنهم معصومون من كل زلل وأن طاعتهم من طاعة الله من أطاعهم استحق رضوان الله ومن عصاهم كان مآله الخسران المبين، يقول فى المعز:
إمام رأيت الدين مرتبطا به ... فطاعته فوز وعصيانه خسر
وهم دائما مبرأون من الذنوب مطهرون من الآثام، بل هم نور الله ومشكاته فى العباد، يضيئون للناس حياتهم، ويكشفون عنهم ظلمات الضلال، وكأنهم يتمّون نور الله أو كأنهم يشاركون فيه، يقول فى المعز:
وما كنه هذا النور نور جبينه ... ولكنّ نور الله فيه مشارك
ويكرر هذه الفكرة كثيرا فى مثل قوله مادحا للمعز:
تسعى بنور الله بين عباده ... لتضئ برهانا لهم وتلوحا
وجد العيان سناك تحقيقا ولم ... تحط الظنون بكنهه تصريحا