فهو لا يهيمن على شئون الناس وأحوالهم فحسب، بل هو أيضا يهيمن ويسيطر على الأفلاك التى تصدر عنها الحركة فى الكون. وكل ذلك لما لجوّا فيه من أن الإمام ممثول العقل الفعال المسيطر على الوجود، فجعلوه نفس هذا العقل الذى آمن به الفلاسفة، وجعلوه لذلك العلة الأولى أو علة العلل التى ينبثق عنها الكون، مما جعل ابن هانئ يقول عن المعز:
هو علّة الدنيا ومن خلقت له ... ولعلة ما كانت الأشياء
وماذا بقى لخالق الكون؟ وحتى الحياة والموت ملّكهما ابن هانئ للمعز يوزعهما على الناس كيف يشاء إذ يقول مخاطبا للمعز:
لك الدهر والأيام تجرى صروفها ... بما شئت من حتف ورزق مقسّم
فهو الذى يحيى ويميت وهو الذى يدبّر الدنيا ويصرّفها، وهو الذى يهيمن على الكون وينسّقه، وهو الرازق ومانع الرزق وهو المنتقم العزيز الغفار وهو الواحد القادر القهار. ولا نعجب بعد ذلك كله لابن هانئ إذ يقول:
ويستضئ ابن هانئ بفكرة الدور عند الإسماعيلية مرارا وما يذهبون إليه من أن الأئمة الفاطميين خلفاء الأنبياء وأنهم ينتظمون معهم منذ آدم فى أدوار سبعية، كل دور يختم بإمام سابع نبى أو من الخلفاء الفاطميين ويسمونه الناطق وهو يمثل عندهم العقل الأول الفعال الذى تحولت إليه قدرة الله وأسماؤه وصفاته، ومن هنا كانت تطلق على ممثوله من الأئمة، وهو الإمام السابع الحامل للنور الربانى الذى يتمثل فى كل إمام سابع منذ آدم. ولما كان المعز نهاية السبعة الثانية من الأئمة الفاطميين فإنه كما يمثل فيه نور كل إمام سابع قبله من الأنبياء يمثل فيه نور نوح:
لو كنت نوحا منذرا فى قومه ... ما زادهم بدعائه تضليلا
ويمثل فيه قبس موسى وشعلته وهداه:
من شعلة القبس التى عرضت على ... موسى وقد حارت به الظلماء
ويمثل فيه نور المسيح الذى كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيى الموتى بإذن الله:
أقسمت لولا أن دعيت خليفة ... لدعيت من بعد المسيح مسيحا