من أموال انقطع بعده إلا قليلا، وكأن أبواب المأمون لم تكن مفتوحة له إلا من حين بعيد إلى حين، ولا يلبث الخليفة الآمر فى سنة ٥١٩ أن يصادر المأمون ثم يقتله. حينئذ نجد ظافرا يفكر فى تقديم مدائحه للخليفة، ولم يكن شيعيا فضلا عن أن يكون إسماعيليا طوال أيامه الماضية، فقد رأيناه حين نزل الفسطاط يقصر مدائحه على الوزير الأفضل بن بدر الجمالى، وكان سنّيّا، وكأن المأمون البطائحى من رجاله، ولعله لذلك لم يكن شيعيا أو بعبارة أدق لم يكن غاليا فى تشيعه.
على كل حال ليس فى مديح ظافر له وللأفضل ما يدل على صلته بالتشيع الإسماعيلى حتى هذا التاريخ. ولكن المأمون قتل، وكأنما دفع دفعا لكى يمدح الخليفة الآمر، فأكبّ على ديوان ابن هانئ الأندلسى يدرسه ليتمثل معانى العقيدة الإسماعيلية، ويرى نهجه فى عرضها بمديحه ليحتذيه، يقول فى إحدى مدائحه للآمر مصرحا بذلك دون أى مواربة:
أجاد ابن هانى فى المعزّ مدائحا ... هداه إليها ذلك الفضل والمجد
وقد جاد مدحى فيك لما رأيت ما ... رأى فاستوى المدحان والإبن والجدّ
ونراه فى نفس هذه القصيدة يردد ما ردده ابن هانئ من أن طاعة الخليفة أو الإمام الفاطمى فريضة واجبة، على كل إسماعيلى أن يعتنقها وأن يؤدى واجباتها، يقول:
فمن عاش أحياه نداه ومن يمت ... على حبّه طوعا فمسكنه الخلد
أطاعته أسرار القلوب ديانة ... فما لامرئ لم يعتقد حبّه رشد
فطاعته فرض وخدمته تقى ... ونصرته دين ومرضاته جدّ
فطاعة الآمر وأمثاله من الأئمة فرض مكتوب، فمن أطاعه فاز بالرضوان ومن عصاه كانت عاقبته الخسران، وإن مرضاته لجدّ أو حظ أكبر، ولا إسلام إلا بطاعته وموالاته ومحبته. والآمر مثله مثل الأئمة قبله، يرتفع فوق حدود الطبيعة البشرية، إذ هو مثل العقل الفعال الأول الرابط بين الله والوجود، وهو بذلك النور الإلهى، نور السموات والأرض. ولن يفهم ظافر كل هذه الفلسفة الإسماعيلية المنحرفة التى تحدثنا عنها فى غير هذا الموضع، وهو لذلك سيلتقط دون تعمق من ابن هانئ فكرة النور التى يرددها فى مديحه للمعز قائلا فى الآمر:
إمام تبدّى للورى من جبينه ... ضياء به تشفى بصائرها الرّمد
ونورك ما يهدى الصباح لناظر ... ولولاه ضلّ الناس وامتنع القصد