للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكأن ظافرا ينقل ذلك عن ابن هانئ دون أن يدرك مقصده تماما وأن ممدوحه نور السموات والأرض، وبالمثل نقل عنه نظرية الأدوار التى تزعم أن الأنبياء والأئمة الفاطميين إنما هم مظاهر دورية للعقل الفعال وحلقاته البادئة بآدم والتى ينتظم فيها نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد ثم على وأبناؤه وأحفاده من الأئمة الطاهرين، ويلم ظافر بظاهر من ذلك كله قائلا فى مدحة أخرى للآمر:

أنت الذى بعث الإله لنا به ... آباءه فتمثّلوا بمثوله

هذا ضياء الله والمعنى الذى ... تتفاضل العلماء فى تعليله

مازال ينقله الإله مطهّرا ... عن ظهر مثل ذبيحه وخليله

وتوارثته الأنبياء وسادة ال‍ ... خلفاء حتى حان وقت حلوله

فآباء الآمر من الأئمة والأنبياء قد تمثلوا فيه بميراثهم الربانى من النور الذى يعمّ أطباق السموات والأرض، ومازال الله ينقل هذا النور من نبى إلى نبى ومن إمام إلى إمام من مثل إبراهيم وإسماعيل ذبيحه ومثل على وجعفر الصادق إلى أن حلّ فى الآمر المطهر المحفوف بالعناية الإلهية والنّفحة النورانية، ومن ثمّ كان ابن هانئ يقول فى المعز إنه جوهر الملكوت وإنه العقل المدبر للكون.

ولم يكن ظافر يتغلغل فى العقيدة الإسماعيلية هذا التغلغل، بل كان يقف كما رأينا عند ظاهر من أقوال ابن هانئ فى المعز ويرددها فى الآمر. وهو معنى ما قلناه فى غير هذا الموضع من أن المصريين انصرفوا عن العقيدة الإسماعيلية ولم يحاول أحد منهم أن يكون داعية لهم على شاكلة المؤيد وابن هانئ. ولعل مما يؤكد ذلك عند ظافر أننا نجده يضيف إلى فيثارة مديحه للآمر وترين لا نجدهما عند ابن هانئ، وهما ميراث الآمر وآبائه للرسول صلّى الله عليه وسلم، مما جعله يتغنى بمعجزاته الخارقة من المعراج وغير المعراج، ثم الاتساع بخياله فى بيان سحق جيوش الآمر للصليبيين، وكانوا قد استولوا فى عهده على بيت المقدس وكثير من ثغور الشام وبلدانه، والخليفة ووزيره الأفضل والمأمون يغطّون فى غفلة لا تدانيها غفلة، وكأن ظافرا يحاول إيقاظ الآمر ودفعه للذبّ عن حرمات الإسلام ودياره أمام حملة الصليب، وهو فى ذلك إنما كان لسانا للمصريين يعبر عن فزعهم للغزو الصليبى وما يأملون من القضاء على حملة الصليب قضاء مبرما. وهذا الوتر فى مدائح ظافر للآمر ووتر الميراث النبوى أتاحا لمدحته له أن لا تقف عند المبادئ الإسماعيلية فى مدح الأئمة الفاطميين إلا لماما وإلا عند هذا الظاهر السطحى منها الذى صوّرناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>