ودليل ثان على أن هذه المبادئ لم تتعمق نفس ظافر أنه حين قتل الآمر سنة ٥٢٤ وتولى ابن عمه الخليفة الحافظ واتخذ أبا على بن الأفضل الجمالى السنى وزيرا له، حينئذ نجد ظافرا يمدحه مدحا يخلو خلوا تاما من هذا الغلو الإسماعيلى الذى رأيناه فى مدائح الآمر. وكان من المبادئ الإسماعيلية أن يتولى الخلافة ابن الخليفة وتصادف أن الآمر لم يترك ابنا، وقيل بل ترك طفلا رضيعا اسمه الطيب، وتعصبت له جماعة سميت الطيبية وتعصبت جماعة أخرى سريعا للحافظ عبد المجيد ابن عم الآمر، وأخذت له البيعة واستولى على مقاليد الخلافة. وظل من ذلك جمر مختف وراء الرماد، مما جعل ظافرا يدافع فى بعض مديحه للحافظ عنه وعن حقه فى الخلافة قائلا:
ورث ابن عمّ محمد من بعده ... حقّ الخلافة منصفا فى نقلها
وورثت أنت عن ابن عمّك حقّها ... فجرى قياس خلافة فى شكلها
فالحافظ ورث الخلافة عن الآمر كما ورثها عن الرسول صلّى الله عليه وسلم ابن عمه على بن أبى طالب رأس الأئمة. ولا يلحّ ظافر فيما كان يعتقده الإسماعيليون فى أئمتهم من معان قدسية ومن رفعهم عن حدود الطبيعة البشرية المادية، فهو إنما يمدح الحافظ بميراثه للرسول مما يجعله يطيل فى بيان معجزاته. ولعلنا لا نغلو إذا قلنا إن كل ما استبقاه من العقيدة الفاطمية فى مديحه قوله.
يا حجّة الله التى أبدت لنا ... بكمالها الآيات والبرهانا
وكأنما حدث انقلاب فى مديح ظافر للحافظ بالقياس إلى مديحه للآمر، وليس له فى الحافظ إلا قصيدتان مع أنه عاش فى مدة خلافته خمس سنوات، إذ توفى سنة ٥٢٩. وأكبر الظن أن فيما قدمت ما يدل على أن ظافرا لم يكن إسماعيليا بالمعنى الدقيق، وإنما هى فترة محدودة نحو أربع سنوات اضطر فيها لمديح الآمر على طريقة القوم، مما جعله يعود إلى ديوان ابن هانئ يستظهر ما فيه أو بعضا مما فيه، ولم يعد استظهاره قشورا، ردّدها حينا فى مديح الآمر ثم كفّ عنها فى مديح الحافظ إلا ما سقط عفوا.
وبدون ريب كان ظافر شاعرا بارعا وفيه يقول العماد الأصبهانئ فى ترجمته له بكتابه الخريدة:
«ظافر، بحظه من الفضل ظافر، يدل نظمه على أن أدبه وافر، وشعره بوجه الرقة والسلاسة سافر. . حدّاد لو أنصف لسمّى جوهريّا، وكان باعتزائه إلى نظم اللآلئ حريّا، أهدى بروىّ شعره