للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للهجرة، ومن غزله قوله:

خليلىّ هذا ربع عزّة فاسعيا ... إليه وإن سالت به أدمعى طوفان

فجفنى جفا طيب المنام وجفنها ... جفانى، فيالله من شرك الأجفان

ونمضى فى قراءة مثل هذا الغزل الوجدانى الملتاع حتى إذا أظل لواء العثمانيين البلاد أخد يفيض معينه فى القلوب والنفوس وخاصة عند نور الدين على العسيلى، وسنخصه بكلمة، ومثله خرّيجه وتلميذه يحيى (١) الأصيلى، الذى يقول فى بعض غزله:

بدا بوجه جميل الوصف والشّان ... يقول: سبحان من بالحسن وشّانى (٢)

كأنه روضة غنّاء مزهرة ... من دمع عاشقها تسقى بغدران

أشبهت فى حبّه ورق الحمى فغدا ... كلّ يبثّ الجوى شجوا على البان

فالله جل شأنه زين وجهها بالجمال حتى كأنها روضة، أليس يشبه الشعراء الثغر بالأقحوان، والخد بالورد والشقيق والعين بالنرجس، لذلك جعل وجهها كأنه روضة تسقى من دموع العشاق بغدران، ومضى يستكمل خياله فورق الحمى وحمامه يبث جواه شجوا على أغصان البان وهو يبثه على من قامتها تحاكى قامة البان. وتخرّج على يد الأصيلى يوسف (٣) المغربى، وغزله كغزل أستاذه يسيل عذوبة من مثل قوله:

جعلوا الصباح مباسما ثم الظلا ... م ضفائرا ثم الرماح قدودا

والورد خدّا والغصون معاطفا ... والبدر فرقا والغزالة جيدا

ورأت غصون البان أن قدودهم ... فاقت فأضحت ركّعا وسجودا

وتشبيه قدود الحسان بالرماح وغصون البان لضمورهم واستقامتها مشهور. وكأن المغربى والأصيلى والعسيلى يكوّنون فى الغزل زمن العثمانيين مدرسة متماثلة فى رشاقة الموسيقى وجمال الصياغة، وإن كان التكلف قد أخذ يعم فى الغزل بعدهم وفى أيامهم. ولعبد الله الإدكاوى:


(١) راجع فى يحيى الأصيلى ريحانة الألبا ٢/ ٣٨ وسلافة العصر لابن معصوم ص ٤١٥ وخلاصة الأثر ٤/ ٤٨٠.
(٢) وشانى: زيننى.
(٣) راجع فى يوسف المغربى ريحانة الألبا ٢/ ٣٢ وما بعدها وخلاصة الأثر ٤/ ٥٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>