للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكتمه بينما جوانحه تنطق به وتعلنه، ويعجب أن يشتاق صاحبته ويود لقاءها، بينما هى مخيمة فى فؤاده لا تبرحه. وإنها لتمعن فى التدلل، وحتى إن بكى وجدا سرعان ما تبتسم. ويحذرها من هذا الدلال وما يطوى فيه من اللعب. فقد أسكنها قلبه الذى أحرقته، ولا تزال نار الحب فيه مضطرمة مندلعة. ولابن نباتة غزل وجدانى كثير من مثل قوله (١):

أهلا بطيف على الجرعاء مختلس ... والفجر فى سحر كالثغر فى لعس (٢)

والنجم فى الأفق الغربى منحدر ... كشعلة سقطت من كفّ مقتبس

يا حبّذا زمن الجرعاء من زمن ... كلّ الليالى فيه ليلة العرس

وحبّذا العيش مع هيفاء لو برزت ... للبدر لم يزه أو للغصن لم يمس

محروسة بشعاع البيض ملتمعا ... ونور ذاك المحيّا آية الحرس

يسعى ورا لحظها قلبى ومن عجب ... سعى الطّريدة فى آثار مفترس

ليت العذول على مرأى محاسنها ... لو كان ثنّى عمى عينيه بالخرس

وهو يصور فرحته بالطيف الذى رآه فى حلمه اختلاسا لأواخر الليل والفجر يبتلج فى الآفاق المظلمة تبلج الثغر فى لعس الشفاه، والنجم يسقط فى الأفق الغربى منحدرا سقوط شعلة من كف مقتبس. وتعاوده ذكرى ليالى الجرعاء المفرحة فرح ليالى العرس، وهو يعيش رانيا إلى حبيبته التى لو رآها البدر لغضّ من زهوه ولو رآها الغصن لغضّ من ميسانه وخيلائه. ويقول إنها ممنّعة محروسة بسيوف باترة، وآية حراستها هذا النور الذى يشعّه وجهها فى الآفاق، ويعجب أن يسعى قلبه وراء لحظها سعى طريدة الصيد وراء مفترسها، ويقول إن ضياءها أحال عينى العذول عشواءين، فهو لا يبصرها، ويتمنى لو ثنّى ذلك بخرسه وانعقاد لسانه، فلا يتحدث عنها أى حديث من قريب أو من بعيد.

وممن كانوا يكثرون من الغزل النّواجى (٣) شمس الدين محمد بن حسن صاحب كتاب حلبة الكميت فى الخمر والندماء وآدابهم، ويعد أكبر شعراء القرن التاسع الهجرى، توفى سنة ٨٥٩


(١) النجوم الزاهرة ١١/ ٩٦.
(٢) الجرعاء: الأجرع أو الحزن. اللعس: سواد الشفة.
(٣) انظر فى النواجى وشعره الضوء اللامع للسخاوى ٧/ ٢٢٩ والنجوم الزاهرة ١٦/ ١٧٧ والبدر الطالع للشوكانى ١/ ١٥٦ وصفحات لم تنشر من بدائع الزهور (طبع دار المعارف) ص ٢٧. وبدار الكتب المصرية مخطوطة من ديوانه. ومن كتبه «عقود اللآل فى الموشحات والأزجال».

<<  <  ج: ص:  >  >>