ويأسى لنفسه إذ رأى طيفه فى المنام ولم يكد يحققه أو يتحقق منه حتى فرّ النوم من عينه، وهو لا يتمنى لقاء كعادة المحبين، ليأسه منه، وإنما يتمنى لو عادت له رؤيته فى منامه، أو لو طال حلمه وطال رقاده قليلا حتى يشفى منه غلّة حبه. ويعلق ابن حجة الحموى فى خزانته على هذه الأبيات بقوله: «ما نفثات السحر إذا صدقت عزائمها بأوصل إلى القلوب من هذه النفثات ولا لسلاف ثغر الحبائب مع حلاوة التقبيل عذوبة هذه الرشفات». ومن غزله:
قصد الحمى وأتاه يجهد فى السّرى ... حتى بدت أعلامه وقبابه
ورأى لليلى العامريّة منزلا ... بالجود يعرف والنّدى أصحابه
قد أشرعت بيض الصّوارم والقنا ... من حوله فهو المنيع حجابه
وعلى حماه جلالة من أهله ... فلذاك طارقة العيون تهابه
كم قلّبت فيه القلوب على الثّرى ... شوقا إليه وقبّلت أعتابه
وهو يرمز لصاحبته بليلى العامرية وكأنه مجنونها وعاشقها قيس الذى ملأ البيد بأغانى حبه، ويقول إنه ما زال يدأب فى السرى أو السير الليالى المتصلة حتى بدت أعلام حيّها وقبابه أو خيامه، ويا للهول لقد وجد من دون رؤيتها السيوف والرماح مشرعة وشعر بجلال وهيبة لا يماثلهما هيبة وجلال، وهناك رأى كثرة من العشاق يضمون الثرى إلى صدورهم مقبلين الأعتاب آملين أملا يائسا فى أن يرفع الحجاب. وكان يعاصر السروجى فخر الدين بن لقمان كاتب بيبرس وقلاوون، وله غزليات رقيقة مثل قوله (١):
كن كيف شئت فإننى بك مغرم ... راض بما فعل الهوى المتحكّم
ولئن كتمت عن الوشاة صبابتى ... بك فالجوانح بالهوى تتكلّم
أشتاق من أهوى وأعلم أننى ... أشتاق من هو فى الفؤاد مخيّم
يا من يصدّ عن المحب تدلّلا ... وإذا بكى وجدا غدا يتبسّم
أسكنتك القلب الذى أحرقته ... فحذار من نار به تتضرّم
وهو راض من صاحبته بكل ما تصنع من إقبال وإعراض، وإنه ليخفى حبه عن الوشاة بل
(١) المنهل الصافى لابن تغرى بردى (طبع دار الكتب المصرية) ١/ ١١٩.