للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحدا بهم حادى المطىّ فلم أجد ... قلبى ولا جلدى ولا صبرى معى

يا نفس قد فارقت يوم فراقهم ... طيب الحياة ففى البقا لا تطمعى

هيهات يرجع شملنا بالأجرع ... ويعود أحبابى الألى كانوا معى (١)

بحياتكم جودوا علىّ تكرّما ... فعسى خيالكم يلمّ بمضجعى

فلقد عدمت الصبر يوم فراقكم ... وتضرّمت نار الأسى فى أضلعى

يا نازحين فهل لكم من عودة ... نزح التفرّق ما بقى من مدمعى

لو لم تعودوا للديار وترجعوا ... لهلكت من شوقى وفرط توجّعى

وابن شاور فى أول الأبيات يبكى يوم البين والفراق شاعرا بأنه يعجز عن احتمال هذه المحنة التى خانه فيها صبره وتجلده، بل التى توشك أن تقضى عليه، لقد تفرق شملهم، ولم يعد هناك أمل فى لقاء بالأجرع: لقاء أحبابه ومهوى فؤاده. ويستحلفهم وقد حرموه طلعة وجوههم فى اليقظة أن لا يحرموه طيفهم فى المنام، لعله يخفف من نار الحب المضطرمة فى صدره. ويتمنى عودة لهم أو رجعة تردّ إليه روحه وتردّ عنه أوجاعه من الحب الملتهب وأوصابه.

ونلتقى بتقى الدين (٢) السروجىّ المولود سنة ٦٢٧ والمتوفى بالقاهرة سنة ٦٩٣ ويقول عنه أبو حيان: كان مع زهده وعفته مغرما بحب الجمال وكان يغنّى بشعره الغرامى المغنون لرقة انسجامه وعذوبة ألفاظه، ومن غزله:

أنعم بوصلك لى فهذا وقته ... يكفى من الهجران ما قد ذقته

يا من شغلت بحبّه عن غيره ... وسلوت كلّ الناس حين عشقته

بالله إن سألوك عنى قل لهم ... عبدى وملك يدى وما أعتقته

أو قيل مشتاق إليك فقل لهم ... أدرى بذا وأنا الذى شوّقته

يا حسن طيف من خيالك زارنى ... من عظم وجدى فيه ما حقّقته

فمضى وفى قلبى عليه حسرة ... لو كان يمكننى الرّقاد لحقته

وهو يتضرع لمحبوبه أن ينعم عليه بالوصل بعد طول الهجران والعذاب فى حبه وانشغاله الدائب بعشقه، ويقول متذللا له إنه عبده وملك يده ولن تردّ إليه حريته، ويشكو لواعج الشوق،


(١) الأجرع: الأرض ذات الحزونة المشاكلة للرمل.
(٢) انظر فى ترجمة السروجى وشعره فوات الوفيات ١/ ٤٦٦ وخزانة الأدب للحموى (طبع بولاق) ص ٢٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>