إلى حلقات العلماء والأدباء، وتفتحت ملكته الشعرية، ورنا إلى الالتحاق بدواوين صلاح الدين ووزيره الكاتب البليغ القاضى الفاضل راعى الأدباء فى عصره، وفى ديوانه مدائح مختلفة له، وليضع أمامه الدليل الواضح على قدرته البيانية ضمّن جميع أبيات إحدى مدائحه له كلمات من سورة المزمل مقتبسا لها فى قوافيه بقوله فى مطلعها:
قمت ليل الصّدود إلا قليلا ... ثم رتّلت ذكركم ترتيلا
ووصلت السّهاد أقبح وصل ... وهجرت الرقاد هجرا جميلا
ويبدو أن القاضى الفاضل لم يعجب بالقصيدة، فلم يعيّن فى دواوين صلاح الدين وأيضا لم يعيّن فى دواوين ابنه العزيز، حتى إذا ولى شئون مصر السلطان العادل سنة ٥٩٦ رأيناه يقدّم مدائحه إليه وإلى وزيره الصفىّ بن شكر. ويبدو أن صداقة انعقدت حينئذ بينه وبين الأشرف موسى بن السلطان العادل، حتى إذا ولاه أبوه على الرّها سنة ٥٩٨ اصطحبه معه واتخذه كاتبه.
وأخذت إمارته أو مملكته تتسع، فشملت خلاط وميّافارقين ونصيبين ومعظم بلاد الجزيرة. وكان يتنقل الأشرف موسى فى بلدان إمارته وكانت أكثر إقامته بالرّقة لموقعها على الفرات وابن النبيه معه يلازمه، ولا يترك مناسبة من انتصار فى حرب أو عيد إلا ويقدّم له مدائحه. ومن أهم هذه المناسبات-كما مر بنا فى غير هذا الموضع-قدومه إلى مصر بجيش جرار ساعد به سلطانها أخاه الكامل فى سحق الصليبيين بموقعة دمياط ورد فلولهم إلى البحر المتوسط وما وراءه، وقد تغنى ابن النبيه بذلك طويلا بمثل قوله:
دمياط طور ونار الحرب موقدة ... وأنت موسى وهذا اليوم ميقات
أثلجت صدر رسول الله وانكشفت ... عن سرحة الدّين والدنيا غمامات
الله أكرم أن تمسى مزامرهم ... تتلى وتنسى من القرآن آيات
وهو يستغلّ اسمه فى مديحه، فيقرنه إلى موسى الرسول ومعجزته فى الطور، ويذكر فى القصيدة أن عصاه تلقفت كل ما أفكوا، ويصور كيف اندحر الصليبيون وتوزعهم المسلمون قتلا وأسرا وسبيا، ومن بقى منهم عاد إلى البحر المتوسط وما وراءه بخزى لا يماثله خزى.
ويدل ديوان ابن النبيه على أنه كان يعيش لدى الأشرف موسى معيشة مبتهجة يتمتع فيها بالرياض ومجالس الأنس والطرب حتى وفاته بنصيبين سنة ٦١٩. ومع ما كان فيه من هناءة لم