للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لو رأيتم محلّكم ... من فؤادى لسرّكم

لو وصلتم محبّكم ... ما الذى كان ضرّكم

والقطعة خفيفة خفة شديدة، والدعاءان فى البيتين: الأول والثانى من الأدعية المتداولة على ألسنة المصريين فى لغتهم اليومية، وإنه ليتضرع لصاحبته مظهرا لها ما يحتمله من الصبر وجهده.

لعلها تشفق عليه وتخلصه من عذاب الهجر والحرمان. وهو لا يتحرج من إعلان تذلله فى الحب.

بل من إعلان عبادته لمحبوبته، يقول:

سأشكر حبّا زان فيك عبادتى ... وإن كان فيه ذلّة وخضوع

أصلّى وعندى للصّبابة رقّة ... فكلّ صلاتى فى هواك خشوع

فغزله فيها ليس شعرا فحسب، بل هو أيضا صلاة وتراتيل يقدمها لمن شغفت قلبه حبا، بل عبادة وخشوع ودين، يتعبّد لها كما يتعبد الوثنيون للوثن، ويأسى لنفسه ولهذا الحب الذى فتن به، بل الذى عبث به حتى جعله يعبد محبوبته، يقول:

لى حبيب عبدته ... ويح من يعبد الوثن

وكأنه يريد أن يسترجع نفسه من محراب هذا الحب، ولكنه لم يسترجعها أبدا، فقد ظل ينشد تراتيل غزله الوجدانى البديع.

وكان البهاء زهير يعرف فى وضوح ما ينشئ من هذا الغزل الرائع، يدل على ذلك ما رواه الحموى فى خزانته من حوار (١) له مع ابن سعيد الأندلسى حين أطلعه على كتاب المغرب ورأى الأندلسيين يكثرون فى الغزل من أصداف التشبيهات والاستعارات فإنه قال له إن لنا فى الغزل طريقا آخر سماه الطريق الغرامى يقصد هذا الغزل الوجدانى. ثم لقيه مرة أخرى وأنشده: «يابان وادى الأجرع» وقال له: أشتهى أن تكمل هذا المطلع ففكر ابن سعيد قليلا وأنشد: «سقيت غيث الأدمع» فقال البهاء: والله حسن لكن الأقرب إلى الطريق الغرامى أن تقول: «هل ملت من طرب معى». وفى ذلك ما يدل من بعض الوجوه على إحكام البهاء للغة الغزل الوجدانى ومعانيه فى عصره، وهو ما جعل معاصريه فى الديار الشرقية على شواطئ الفرات وفى دمشق والشام وفى القاهرة ومصر يشغفون بديوانه ويروونه، ويشهد بذلك ابن خلكان إذ يقول عنه:


(١) خزانة الأدب ص ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>