آجرك الله على ما جرى ... من قتل عبّاد يسوع المسيح
أتيت مصرا تبتغى ملكها ... تحسب أن الزّمر-يا طبل-ريح
فساقك الحين إلى أدهم ... ضاق به عن ناظريك الفسيح (١)
وكلّ أصحابك أودعتهم ... بحسن تدبيرك بطن الضّريح
خمسون ألفا لا ترى منهم ... إلا قتيلا أو أسيرا جريح
وفّقك الله لأمثالها ... لعلّ عيسى منكم يستريح
وقل لهم إن أضمروا عودة ... لأخذ ثار أو لقصد صحيح
دار ابن لقمان على حالها ... والقيد باق والطّواشى صبيح
ويعلّق ابن تغرى بردى على القصيدة بقوله: «لله درّه! فيما أجاب عن المسلمين مع اللطف والبلاغة وحسن التركيب». والقصيدة تمتلئ بالسخرية والتهكم، فقد ظن لويس ظنا كاذبا أن مصر قريبة المنال فإذا من دونها حزّ رقاب الكثرة من جيشه وأسر البقية فى الأغلال. ويسخر منه سخرية قاتلة حين يطلب إليه أن يعيد أمثال تلك الغزوة المشئومة حتى يستريح منهم عيسى وتحزّ رقابهم جميعا. ويسخر من البابا ودعوته لهم أن يتجهوا بحملاتهم الصليبية الخاسرة إلى الشرق، ويقول له ساخرا متهكما: لا تزال دار ابن لقمان التى سجنت فيها على حالها، ولا يزاد القيد أو الغلّ باقيا ولا يزال حارسك صبيح فى انتظارك. كلمات مسمومة وكأنها سفّود يشويه عليه، مع لطف التعبير ودقته ورهافته ومع الوخز الأليم.
وظل ابن مطروح ملازما داره إلى أن لبّى نداء ربه فى مستهل شعبان سنة ٦٥٠ ونراه فى السنتين الأخيرتين من حياته طوال مقامه بمنزله يكثر من الابتهال لربه أن يغفر له، حتى إذا توفى وجد البيتان التاليان فى رقعة تحت رأسه:
أتجزع للموت هذا الجزع ... ورحمة ربّك فيها الطّمع
ولو بذنوب الورى جئته ... فرحمته كلّ شئ تسع
ويقول ابن خلكان: «كانت خلاله حميدة جمع بين الفضل والمروءة والأخلاق الرضية، وكانت بينى وبينه مودّة أكيدة. وله ديوان أنشدنى أكثره». ويبدو أن ديوانه المطبوع لا يحتفظ
(١) الحين: الهلاك. أدهم: قيد.