للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بجميع أشعاره، ومن أكبر الأدلة على ذلك أننا لا نجد فيه شيئا من مدائحه فى الملك الصالح إلا مقطوعة ذكر فيها عرضا مع أنه ظل فى خدمته نحو عشرين سنة، بينما نجد فى الديوان غير ملك أو أمير أيوبى، وربما كان حذف مدائحه من الديوان من صنيع الشاعر نفسه، وكأنما عزّ عليه أن يعزل من منصبه، فانتقم لنفسه بحذف تلك المدائح.

ومرّ بنا آنفا أنه نشأت بينه وبين البهاء زهير مودة صافية منذ أيام صباه وشبابه فى قوص، حتى كانا كالأخوين، وامتدت بينهما هذه المودة الحلوة طوال حياتهما، وجنيا منها واقتطفا أزهارا أو ثمارا هنيئة، كما يوضح ذلك ديواناهما وما فيهما من مراسلات شعرية بينهما. وهو مثل صديقه يكثر من شعر الغزل الوجدانى غير أنه كان يميل أكثر منه إلى الرمز عن وجده باتخاذه غالبا البدويات رمزا لمحبوباته، وكأنه يريد أن يقرن وجده بوجد مجنون ليلى وأضرابه من شعراء نجد، حيث يبثّ فى وجده وحبه شذا الحنان والشوق الذى يكتظ به من قديم الغزل العذرى وما يطوى فيه من حرارة ولوعة، على شاكلة قوله:

هى رامة فخذوا يمين الوادى ... وذروا السيوف تقرّ فى الأغماد (١)

وحذار من لحظات أعين عينها ... فلكم صرعن بها من الآساد (٢)

من كان منكم واثقا بفؤاده ... فهناك ما أنا واثق بفؤادى

يا صاحبىّ ولى بجرعاء الحمى ... قلب أسير ماله من فادى (٣)

سلبته منى يوم بانوا مقلة ... مكحولة أجفانها بسواد

وبحىّ من أنا فى هواه ميّت ... عين على العشّاق بالمرصاد

كيف السبيل إلى وصال محجّب ... ما بين بيض ظبا وسمر صعاد (٤)

حرسوا مهفهف قدّه بمثقّف ... فتشابه الميّاس بالميّاد (٥)

وواضح أنه رمز لحبه والتياعه فيه برامة فى نجد وظبائها ساحرات الأعين اللائى يصرعن بهن الأسد، وقد خلف قلبه أسيرا هناك ولا من يفديه سلبته منه عين فاتنة مكحولة أجفانها بسواد


(١) رامة: موضع بالبادية.
(٢) العين: بقر الوحش.
(٣) جرعاء الحمى: أرضه ذات الحزونة
(٤) الظبى: جمع ظبة: حد السيف. الصعاد: جمع صعدة: القناة أو الرمح.
(٥) المياس: المتبختر. المياد: المتمايل، والمثفف: الرمح.

<<  <  ج: ص:  >  >>