للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آسر، وأحد لا يستطيع أن يصل أو يلمّ بتلك الديار: ديار رامة والحبيبة، فمن دونها سيوف ورماح مسلولة مشرعة، ويعجب أن يحرس قدّها الرشيق المتبختر المختال برمح مشبه لها مياد أو اميّال. ويقول:

سفرت وجاءت فى الغلائل تنثنى ... فأرتك حظّ المجتلى والمجتنى

ورنت فما تغنى التمائم والرّقى ... وأبيك عن لحظات تلك الأعين

بدويّة كم دونها من ضارب ... بالسيف مرهوب السّطا لم يؤمن

لا يخدعنّك لحظ طرف فاتر ... أبدا ولا تأمن لعطفة ليّن

ألبستنى يا هاجرى ثوب الضّنا ... وأخذتنى يا تاركى من مأمنى

لقد رفعت عن وجهها نقابها فشغفت قلبه حبا وافتتانا، ومدّت بصرها إليه فوقع فى حبائل أعينها مسحورا ولم تعد تغنيه التمائم والرقى، وإنها لبدوية أعرابية تحميها السيوف المرهفة. وينصح صاحبه أن لا تخدعه العيون الناعسة ولا القدود اللينة عما يسببان له من آلام وأوصاب دون أن يذوق شيئا من وصال، ويشكو لصاحته البدوية ضناه وتباريح حبه، يقول:

خذوا حذركم من طرفها فهو ساهر ... وليس بناج من دهته المحاجر

فإن العيون السود وهى فواتر ... تقدّ السيوف البيض وهى بواتر

ولا تخدعوا من رقّة فى كلامها ... فإن الحميّا للعقول تخامر

من القاصرات الطّرف غارت لحسنها ... ضرائرها والنيّرات الضّرائر

إذا ما اشتهى الخلخال أخبار قرطها ... فياطيب ما تملى عليه الضّفائر

وهو يحذّر من طرف صاحبته، فالسهام دائمة مصوبة منه، ومن تصبه محاجرها تصمى قلبه، وياللعجب فإن العيون الفاترة الناعسة تقد السيوف الباترة القاطعة، ويحذّر من رقة كلامها المعسول فهو كالخمر يذهب بالعقول. ويقول إنها عفيفة مصونة، تغار من حسنها الفاتن قريناتها الحسناوات والكواكب النيرات. والصورة فى البيت الأخير رائعة، فضفائر شعرها تطول حتى تلمس خلخالها وكأنما تحدثه بأخبار قرطها، ومن غزله فى بواكير حياته:

خدّ توقّد إذ ترقرق ماؤه ... لهفى على المتوقّد المترقرق

حتى الحلىّ لحسنها متوسوس ... فاعجب لحسن للجماد منطّق

<<  <  ج: ص:  >  >>