يا شمس قلبى فى هواك عطارد ... لولا تعرّضه لها لم يحزق
لم انس ما قالت وقد لمست يدى ... ماذا لقينا منه أو ماذا لقى
وأقول يا أخت الغزال ملاحة ... فتقول لا عاش الغزال ولا بقى
يقول إن خد صاحبته المتوهج حمرة كأنه نار موقدة، وماء جماله ونضرته يتلألأ فيه ويترقرق، مما يملؤه فتنة به ولهفة عليه. ويقول إن حسنها ينطق حتى الجماد، وما وسوسة حليها إلا إعجاب منه بها، وها هو قلبه قد احترق من تعرضه لشمس حسنها كما احترق عطارد أقرب الكواكب السيارة للشمس من تعرضه لنورها الحار المشتعل، ويذكر رقة قلب صاحبته وأنها حين لقيته وسلمت أظهرت له عطفا وشفقة، حتى إذا شبّهها بالغزال حسنا وملاحة قالت له مدلة: لا عاش الغزال ولا بقى، فهى أكثر منه فتنة وسحرا وجمالا. ويقول:
وتقدّموا للعاشقين فكلّهم ... أخذ الأمان لنفسه إلا أنا
لا خير فى جفن إذا لم يكتحل ... أرقا ولا جسم تجافاه الضّنا
لما انثنى فى حلّة من سندس ... قالت غصون البان ما أبقى لنا
شبّهته بالبدر قال: ظلمتنى ... -يا عاشقى والله-ظلما بيّنا
وهو يتصور هؤلاء الفاتنات كأنهن يقدن معركة رماحها قدودهنّ وسيوفها عيونهنّ وكل من حوله يطلب منهن الأمان إلا هو، فقد تعلق بإحداهن، وهو لا يرى للحياة قيمة بدون الحب والسهاد فيه وضنا الجسم والنحول. ويرى صاحبته فى حلة سندسية خضراء، فيتصور كأن غصون شجر البان الذى طالما تغنى به المحبون تقول: ما أبقت لنا من الحسن والنضرة والجمال، ويشبهها بالبدر فتقول له مدلة كصاحبته السابقة: ظلمتنى ظلما بينا فهى أكثر منه جمالا وحسنا وروعة. ومن أبياته البديعة التى تتداولها كتب الأدب قوله فى بعض غزله.
لبسنا ثياب العناق ... مزرّرة بالقبل
ولعل فى كل ما قدمت ما يصور غزل ابن مطروح الوجدانى وما أشاع فيه من الرقة واللطف والدماثة والظرف وعذوبة الروح وخفة الظل.