للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأجاز له روايته، ومازال طلاب علمه وشعره يعكفون على حلقته بمكة حتى توفى بها سنة ٧٨١.

ولبرهان الدين غزل وجدانى كثير، أو كما يسميه البهاء زهير غزل على الطريقة الغرامية، غزل يقدمه صاحبه لمحبوبته مؤملا فى الوصال، ودائما لا وصال بل دموع وأشواق ووصف للصبابة والغرام والوجد الذى لا تنطفئ ناره فى قلوب أصحاب هذا الغزل، مع مشاعر غامرة من اللطف والرقة، ومع الألفاظ والأساليب الرشيقة من مثل قوله:

بأبى لحظ غزال ... قائل فى الفلوات (١)

أخذت بابل عنه ... بعض تلك النّفثات

حسنات الخدّ منه ... قد أطالت حسراتى

أعشق الشامات منه ... وهى أسباب مماتى

إنّ للموت بأقدا ... ح جفونى سكرات

قلت قد مت غراما ... قال لى مت بحياتى

والأبيات تتطاير عن الفم بخفة، وهو يشكو من لحظ غزال بدوى يقضى أوقات قيلولته فى الفلوات، غزال ينفث فى كل ما حوله السحر، بفتنته وجمال وخدوده التى ملأت قلب الشيخ حسرات، لأنه يتمنى الدنو منها ليتملّى بحسنها وما فيها من شامات تزيدها حسنا وجمالا، وإنه ليذوب-أو كما يقول-ليموت وجدا والتياعا، وتلك سكرات الموت تملأ أقداح جفونها، ويتضرع إليها قائلا إنه مات غراما، فتضحك فى خبث مدلّة عليه قائلة له: «مت بحياتى» ومن نفس هذا المعين المتدفق السلس يقول:

غرامى فيك يا قمرى غريمى ... وذكرك فى دجى ليلى نديمى

وملّنى الحميم وصدّ عنى ... ومالى غير دمعى من حميم

وكم سأل العواذل عن حديثى ... فقلت لهم على العهد القديم

وعمّ يسائلون ولى دموع ... تحدّثهم عن النّبأ العظيم

بدت فى خدّها شامات مسك ... كحظى أو كليلى أو همومى

إذا نيران خدّيها تبدّت ... رأيت بهنّ جنّات النّعيم

ومن شغفى بغصن القدّ منها ... أغار على الغصون من النسيم


(١) قائل: من القيلولة وهى وسط النهار، وفعله قال يقيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>