للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واتضح حزمه إلى أقصى حد فى صرفه ولاية العهد عن ابنه الأكبر تميم، وكان لا يزال فى المنصورية بتونس، حين تأكد أنه يسير سيرة معوجّة منحرفة، مما جعل واليه على صقلية أحمد بن الحسن الكلابى يستأذنه فى قتل أحد أبنائه لمشاركته تميما فى مجونه (١).

ويبدو أن المعز حاول-دون جدوى-أن يرد ابنه إلى الطريق السّوىّ حتى إذا فشلت محاولته صرف ولاية العهد عنه إلى أخيه عبد الله (٢)، ولم يلبث عبد الله أن توفى حين نزل مع أبيه فى مصر فجعل المعز ولاية العهد لأخيه نزار الذى خلف أباه حين وفاته بالقاهرة سنة ٣٦٥ متسميا باسم العزيز.

وليس من ريب فى أن المعز عنى بتربية ابنه تميم الذى كان يعدّه لولاية العهد منذ نعومة أظفاره، فأحضر له المعلمين الدينيين واللغويين وعهد إلى بعض دعاة النحلة الفاطمية بتلقيننها له، وكانت للغلام موهبة شعر فذة، فأكبّ على الشعر العربى فى أزمنته المختلفة يتزود منه، وسرعان ما استيقظت فيه موهبته، فعكف على اللهو والمجون لا يردعه رادع. وانتقل مع أبيه إلى مصر، فمضى فى سيرته، يحيا للهو والمجون. ويموت أخوه وأبوه فيرثيهما رثاء فاترا، وهو رثاء يدل على مكنون ضميره وأنه كان يشعر فى أعماقه بأن أباه سلبه حقه. وهو فى ديوانه يكثر من مديح أخيه العزيز، ونحس صدقه فى هذا المديح وإخلاصه له، ومع ذلك كان لا يسلم من الوشاة بينه وبين أخيه، مما جعله يبعده مرة إلى عين شمس بجوار القاهرة ومرة ثانية إلى الرملة بفلسطين، ويألم ألما شديدا لغربته وبعده عن ملاعب مجونه، وسرعان ما يردّ العزيز إليه حريته. وهما فترتان صغيرتان فى حياته الهنيئة بالقاهرة حتى وفاته سنة ٣٧٤.

وكان العزيز يغدق عليه إغداقا عظيما، فقد جعل القصور على بركة الحبش-بمصر القديمة الآن-خالصة له، وكانت تطلّ على النيل ومن حولها حدائق بديعة، ووهب له بستانا عظيما يعرف باسم المعشوق، غير ما كان يضفى عليه من الأموال الضخمة. وكل ذلك أتاح له أن يحيا حياة ترف ولهو فى قصوره وبساتينه ورياضه وفى الأديرة. وكان ينتهز فرصة الأعياد الكثيرة:

الأعياد الإسلامية والمسيحية والفارسية، فيشارك الشعب فى مرحه وقصفه، سواء فيما كان يقيم من


(١) سيرة جوذر (تحقيق د: كامل حسين) ص ١٢٠.
(٢) ذكر ابن الأبار فى الحلة السيراء أن السبب فى صرف المعز لولاية العهد عن تميم أنه لم ينجب ولدا. غير أن صرفها عنه وهو لا يزال فى نحو العشرين من عمره يؤكد السبب الذى ذكرناه فقد كان لا يزال فى مطالع شبابه، وقد عاد فصرفها عنه مرة ثانية بعد وفاة أخيه عبد الله. وربما كانت كناية تميم بأبى على قاطعة فى أنه أنجب فعلا.

<<  <  ج: ص:  >  >>