يا أمة سلكت ضلالا بيّنا ... حتى استوى إقرارها وجحودها
ملتم إلى أنّ المعاصى لم يكن ... إلا بتقدير الإله وجودها
لو صحّ ذا كان الإله بزعمكم ... منع الشريعة أن تقام حدودها
وقد فتح أبوابه للشعراء، وكثير منهم كانوا يختلفون إلى مجلسه فى منزله وخاصة الجليس بن الحباب والمهذب بن الزبير وابن قادوس، وأصبحت القاهرة لعهده كعبة للقصاد من شعراء البلاد العربية أمثال ابن الدهان الموصلى وعمارة اليمنى، ولكل هؤلاء الشعراء فيه قصائد طنانة، وفيه يقول العماد:«نفق فى زمانه النظم والنثر واسترقّ بإحسانه الحمد والشكر وقرّب الفضلاء، واتخذهم لنفسه جلساء، ورحل إليه ذوو الرجاء، وأفاض على الدانى والقاصى بالعطاء». وقد أدار العماد كثيرا من تراجمه فى القسم المصرى من كتابه الخريدة عليه وعلى مدائحه. وألف فى أيامه الرشيد بن الزبير كتابه «جنان الجنان ورياض الأذهان» فى معاصريه من الشعراء ومادحيه وافتتحه بترجمته، كما ألف شاعره الجليس بن الحباب كتابا قصره على مدائح الشعراء فيه.
وقد حقق محمد هادى الأمينى ديوانه ونشره بالنجف فى نحو مائة وخمس وعشرين صحيفة، ويقول ابن خلكان إنه رأى ديوانه وإنه كان يقع فى جزءين، وكأن ديوانه المنشور إنما هو مقتطفات من ديوانه الأصلى، واتهمه بعض معاصريه بأن كثيرا من أشعاره ليس له وإنما هو من صنع شاعريه: الجليس بن الحباب والمهذب بن الزبير، ويبدو أنها تهمة غير صحيحة، وأنه ربما كان يرجع إليهما لتصحيح بعض أشعاره إن صح ما قيل من أنهما كانا يصلحان له شعره. وأكثر الديوان المنشور فى مديح آل البيت ورثائهم ورثاء الحسين خاصة، ولعل هذا هو سبب النغم الحزين الكثير فى شعره، إذ الشيعة دائما محزونون منذ مقتل الحسين وقد اتخذوا يوما يندبونه فيه هو يوم عاشوراء، وجعلوا شعارهم السواد، وهو سواد يطبع كثيرا من أشعار طلائع بالتشاؤم والتفكير الكثير فى الموت، حتى فى يومه البهيج يوم جلوسه فى الوزارة إذ نرى الدنيا تتحول بهجتها أمام عينيه حزنا وشؤما وموتا، وإذا هو ينشد حين تربعه فى دست الوزارة: