للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان طلائع شجاعا بل مثالا عاليا من الشجاعة والبطولة، فمضى يعدّ الجيش المصرى لحرب الصليبيين ونازلهم مرارا برّا وبحرا، وظل ينازلهم ويقاتلهم طوال أيامه، حتى لقبه معاصروه بأبى الغارات، فقد كان جيشه لاينى آيبا ذاهبا إلى مواقعة الصليبيين وسحق جموعهم فى جنوبى فلسطين ودقّ أعناقهم وسفك دمائهم فى حزونها وسهولها وعلى سفوح جبالها، وله فى تصوير ذلك قصائد كثيرة من مثل قوله:

توالت علينا فى الكتائب والكتب ... بشائر من شرق البلاد ومن غرب

جعلنا جبال القدس فيها وقد جرت ... عليها عتاق الخيل كالنّفنف السّهب (١)

وقد أصبحت أو عارها وحزونها ... سهولا توطّا للفوارس والرّكب

ولما غدت لا ماء فى جنباتها ... صببنا عليها وابلا من دم سكب (٢)

وهو فرح مبتهج بنصر جيشه على حملة الصليب وما أذاقهم من التقتيل ونثر دمائهم على جنبات فلسطين حتى سالت هناك أنهارا. وكثيرا ما كان يرسل ببشائر انتصاراته على الصليبيين إلى صديقه أسامة بن منقذ الشّيزرىّ وكان قد زار مصر وأقام فيها مدة أيام عباس الصهاجى وانعقدت بينه وبين طلائع صداقة فكان يخبره بانتصاراته حتى يستثير نور الدين صاحب حلب لتضييق الخناق على حملة الصليب، وكانت فرحته بالغة حين انتصر الجيش المصرى بقيادة ضرغام عليهم فى سنة ٥٥٣ نصرا عظيما، وصور ذلك لأسامة فى ميمية استهلها بقوله:

ألا هكذا فى الله تمضى العزائم ... وتمضى لدى الحرب السيوف الصّوارم (٣)

وتغزى جيوش الكفر فى عقر دارها ... ويوطا حماها والأنوف رواغم (٤)

خيول إذا ما فارقت مصر تبتغى ... عدا فلها النّصر المبين ملازم

يسير بها ضرغام فى كلّ مأزق ... وما يصحب الضّرغام إلا الضراغم (٥)

فقولوا لنور الدين لا فلّ حدّه ... ولا حكمت فيه الليالى الغواشم (٦)

تجهّز إلى أرض العدوّ ولا تهن ... وتظهر فتورا أن مضت منك حارم


(١) عتاق الخيل: كرامها. النفنف: الفلاة. السهب: المستوى.
(٢) وابلا: مطرا شديدا. السكب: الهاطل السائل.
(٣) الصوارم: جمع صارم وهو السيف القاطع.
(٤) عقر: وسط.
(٥) الضراغم: جمع ضرغام وهو الأسد.
(٦) الغواشم: الشديدة الظلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>