وهو يشيد يجيش مصر الباسل وانتصاره المدمر للصليبيين: انتصار أسده الهادرة، ويدعو أسامة إلى إبلاغ نور الدين هذا الانتصار، وكان حملة الصليب قد استولوا منه على حصن حارم تجاه أنطاكية وعقدوا معه هدنة، ويدعوه إلى نقض ما أبرم معهم والاستعداد لحربهم حتى يضيّق عليهم فى الأطراف الشمالية كما يضيق الجيش المصرى فى الأطراف الجنوبية.
وكان الأسطول المصرى لا يزال يجوب سواحل الشام ويفتك بسفن الصليبيين وأغار على عكا وثغر بالقرب من حمص يسمى أنطرطوس ونكّل فى الثغرين بحملة الصليب وسفنهم فكتب طلائع إلى أسامة قصيدة يسأله فيها أن يبشر الملك العادل نور الدين بذلك ويستنهضه لفتح القدس يقول:
إن بعض الأسطول نال من الإف ... رنج مالا يناله التأميل
فحوى من عكّا وأنطرطوس ... عدّة لم يحط بها التحصيل
أبلغن قولنا إلى الملك العا ... دل فهو المرجوّ والمأمول
قل له كم تماطل الدّين فى الكف ... ار فاحذر أن يغضب الممطول
سر إلى القدس واحتسب ذاك فى الل ... هـ فبالسّير منك يشفى الغليل
وواضح أن جيوش مصر وأساطيلها لعهد طلائع كانت ما تزال تغدو وتروح إلى حملة الصليب منزلة بهم الهزائم تلو الهزائم. ودائما يستحث طلائع فى حماسيّاته إلى أسامة صاحب نور الدين أن يزحف إلى حملة الصليب شمالا، بينما يزحف هو إليهم جنوبا، حتى يقعوا بين شقى الرحا فتدور عليهم الدوائر. ولعل فى ذلك ما يشير بوضوح إلى أن مصر لم تقصر فى واجبها إزاء حملة الصليب لعهد طلائع، وكانت تعدّ حتى أيامه مقصرة فى القيام بهذا الواجب، قصّرت أيام الأفضل بن بدر الجمالى ومن جاء فى إثره من الوزراء، فلما ألقيت مقاليد الأمور إلى طلائع وضع نصب عينيه أن تنهض بواجبها، فجهّز الجيوش والأساطيل وأمدّها بالرجال والعتاد. ودائما يهيب فى كثير من حماسياته بنور الدين أن يهجم عليهم شمالا بينما يهجم هو عليهم جنوبا، حتى يمزّقوا كل ممزّق، غير أن يدا آثمة امتدت إليه، فحالت دون أمانيه فى الانتصار الحاسم على حملة الصليب إذ قضت عليه، ورثاه عمارة وغيره من الشعراء مراثى حارة.