للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كناطح صخرة يوما ليوهنها ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل (١)

وواضح أنه يوبّخه ساخرا منه مزدريا له، إذ يقول: يا أبا ثبيت أما تنفك تسعى بالشر والفساد وتقع فى أعراضنا بالذم والقدح؟ ألست منتهيا عن ذمنا وتنقصنا؟ وإنك مهما أتيت من قوارع الطعن لن تضر أصلنا الشامخ مدى الدهر، وما مثلك إلا كمثل وعل ينطح صخرة ليضعفها، فاستعصت عليه ولم يضرها ولم يوهنها إنما ضر قرنه وأوهنه. وارجع إلى قصيدتيه اللتين يهجو بهما علقمة بن علاثة، فستجده يعمد إلى هذا اللون من السخرية المرة بعلقمة، إذ يقول له فى أولاهما موازنا بينه وبين خصمه ومنافره عامر بن الطفيل:

علقم ما أنت إلى عامر ... الناقض الأوتار والواتر (٢)

يا عجب الدّهر متى سوّيا ... كم ضاحك من ذا وكم ساخر

ولست بالأكثر منهم حصى ... وإنما العزّة للكاثر (٣)

علقم لا تسفه ولا تجعلن ... عرضك للوارد والصادر

ولست فى السّلم بذى نائل ... ولست فى الهيجاء بالجاسر (٤)

وهذا من أشدّ الهجاء وأمضّه، ولو أنه شتم وأفحش لعدّ سفيها، أما أن يهجو على هذا النحو من التعريض فإنه يجعل الظنون تتسع كما يجعل النفوس تتعلق بمعنى كلامه وتكثر من تأويله. وهو يشير فى الأبيات إلى حكم هرم بن قطبة حين تنافر إليه علقمة وعامر، فسوّى بينهما فى عبارته المأثورة: «إنكما كركبتى البعير الأدرم (الفحل) تقعان على الأرض معا» والأعشى يرد هذا الحكم وينقضه قائلا: أين الثّرى من الثّريّا. وقد مضى فى القصيدة الثانية يذمه، ولم يكن من أبياتها بيت أشد إيلاما لعلقمة من قوله:

تبيتون فى المشتى ملاء بطونكم ... وجاراتكم غرثى يبتن خمائصا (٥)


(١) الوعل: من الماعز الجبلى.
(٢) الأوتار: جمع وتر وهو الثأر. وناقضها: الآخذ بثأره. الواتر: الذى يترك ثأره فى الأعداء فلا يستطيعون نقضه.
(٣) الحصى هنا: العدد.
(٤) النائل: العطاء. الجاسر: الجرئ.
(٥) المشتى: زمن الشتاء. غرثى: جائعة. خمائص: ضامرات البطون.

<<  <  ج: ص:  >  >>