للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أموت وما ماتت إليك صبابتى ... ولا قضيت من صدق حبّك أوطارى

تحمّل قلبى فيك مالا أبثّه ... وإن طال سقمى فيك أو طال إضرارى

فصباباته بالحب الإلهى لا تنقضى، إنه لا يزال يريد أن يكون حبه لربه لا يدانيه حب، ولا يزال يجد فيه نصبا وشقاء، ولذته التى لا تحد إنما هى فى هذا الشقاء والنصب الذى لا يشبهه نصب. وتناول كأس هذه المحبة منه كثيرون فى العالم الإسلامى. ويدور الزمن بمصر دورات وندخل فى هذا العصر: عصر الدول والإمارات، وسرعان ما تنشأ بمصر الدولة الفاطمية الإسماعيلية، وكانت تعارض التصوف حتى لا يطفى على عقيدتها التى صورناها فى غير هذا الموضع وبصرف المصريين عنها، ومن هنا تراجعت موجته فى عهدها، ومع ذلك فينبغى أن لا نظن أنه تلاشى، فقد ظل حبله ممدودا بعد ذى النون. ومرّ بنا من متصوفتها بعده أبو بكر الدقاق الكبير المتوفى سنة ٢٩٠ وبنان الحمّال المتوفى سنة ٣١٦ وأبو على الروذبارى المتوفى سنة ٣٢٢ ويعد السيوطى بعض أسماء لمتصوفة ظهروا فى عهد الدولة الفاطمية (١) مثل ابن الترجمان المتوفى سنة ٤٤٨ ويقول عنه: كان شيخ الصوفية بديار مصر. ونلتقى بأخرة من أيام الفاطميين بصوفى كبير هو ابن الكيزانى وسنترجم له عما قليل. ومرّ بنا أنه أخذ يتضح فى التصوف منذ قيام الدولة الأيوبية اتجاهان، اتجاه فردى فلسفى واتجاه جماعى سنى، ومثّل الاتجاه الأول ابن الفارض وسنخصه بترجمة، ومن تلاميذه ابن الخيمى محمد بن عبد المنعم المتوفى سنة ٦٨٥ ولم يتجه بتصوفه اتجاه ابن الفارض الفلسفى، بل وقف به عند الوجد والحديث عن الشوق وأكثر من ذكر معاهد الحب على طريقة العذريين، واشتهر بأنه تنازع مع محمد بن إسرائيل صوفى الشام فى قصيدة صوفية واحتكما إلى ابن الفارض، فشهد لابن الخيمى أنها من نظمه، وفى فوات الوفيات قطعة من شعره، ومن قوله فى الذات الإلهية (٢):

وحجّب عنا حسنه نور حسنه ... فمن ذلك الحسن الضلالة والهدى

فيا نار قلبى حبّذا أنت مصطلى ... ويا دمع عينى حبّذا أنت موردا

وشعره الصوفى يهبط عن شعر ابن الفارض كثيرا. وكان يعاصره كتاكت المصرى الواعظ


(١) حسن المحاضرة ١/ ٥١٥
(٢) الفوات ٢/ ٤٦٥

<<  <  ج: ص:  >  >>