للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كبير، ويذكر له قصيدة نونية طويلة اسماها اليعسوب وهى ملكة النحل.

ومن المؤكد أن النزعة الفلسفية فى التصوف بمصر كادت تنحسر بعده إلا قليلا، إذ مضت مصر تؤثر التصوف السنى وما أشاعه من الطرق الصوفية الكثيرة، وقد أفضنا فى بيان ذلك بالفصل الأول، وكان من أهم الطرق التى تأسست بها الطريقة الشاذلية، ومن أهم أصحابها ابن عطاء الله السكندرىّ الصوفى الواعظ تلميذ مؤسسيها أبى الحسن الشاذلى وأبى العباس المرسى، ومن شعره قصيدة يقول فيها (١):

ويا صاح إن الركب قد سار مسرعا ... ونحن قعود ما الذى أنت صانع

أترضى بأن تبقى المخلّف بعدهم ... صريع الأمانى والغرام ينازع

وهذا لسان الكون ينطق جهرة ... بأنّ جميع الكائنات قواطع

فهو يهتف بصاحبه أن يتبع ركب المحبوب ولا يتخلف، حتى لا يفقد أمانيه ويضيع منه حبه، بل إن الكون كله ليهتف به أن يرحل وراءه ويهاجر له، فجيمع الكائنات ما تزال مهاجرة تتبعه.

وكثير من شعر هؤلاء الصوفية كانوا ينظمونه ليردده المنشدون فى الذكر بين صفوف الذاكرين الله كثيرا ليملئوهم حماسة وإمعانا فى ذكر الله وتسبيحه، من مثل قول عبد الغفار بن أحمد بن نوح القوصى الصوفى المتوفى سنة ٧٠٨ للهجرة:

أنا أفتى أنّ ترك الحبّ ذنب ... آثم فى مذهبى من لم يحب

ذق على أمرى مرارات الهوى ... فهو عذب وعذاب الحبّ عذب

كل قلب ليس فيه ساكن ... صبوة عذريّة ماذاك قلب

ويكثر هؤلاء الشعراء من الصوفية فى أيام المماليك، ومن أشهرهم برهان الدين بن زقّاعه، المتوفى سنة ٨٥٩ عن سن عالية، وكان يتبرك به السلطان برقوق وابنه السلطان فرج، وله فى الحب الصوفى ومواجده أشعار كثيرة من مثل قوله (٢):

رأى عقلى ولبّى فيه حارا ... فأضرم فى صميم القلب نارا

ألا يالائمى دعنى فإنى ... رأيت الموت حجّا واعتمارا

وأهل الحب قد سكروا ولكن ... صحا كلّ وفرقتنا سكارى


(١) النجوم الزاهرة ٨/ ٢٨٠
(٢) المنهل الصافى ١/ ١٥٤ والنجوم الزاهرة ١٤/ ١٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>