الخيانة للدولة وأكل أموال الناس بالباطل. ويبدو أنه زهد فى العمل معهم سريعا وعاد إلى القاهرة، محترفا إقراء القرآن للصبية وبعض الفتية فى مسجد الشيخ عبد الظاهر، وكان مسجدا مغمورا وتصادف أن أمر الملك الصالح فى أثناء توليه لمقاليد الأمور بمصر (٦٣٧ - ٦٤٧ هـ) بتوزيع ألف دينار على طلبة العلم. ولم يصب منها مسجده المغمور وطلابه شيئا، فنظم على لسان المسجد شكوى للملك الصالح استهلها بقوله:
ليت شعرى ما مقتضى حرمانى ... دون غيرى والألف للرّحمن
أترانى لا أستحقّ لكونى ... جامعا شمل قارئى القرآن
ونراه كثير الرحلة إلى البلدان المصرية والاتصال بمن فيها من الولاة، وله فيهم بعض المدائح وكذلك فى بعض وزراء الدولتين الأيوبية والمملوكية وفى بعض الأمراء والسلاطين، ويبدو أنه كان يضطر للمديح اضطرارا، ليوفر لأولاده الكثيرين الطعام والثياب، ويصرح بذلك مرارا فى مديحه بمثل قوله:
إليك نشكو حالنا إننا ... عائلة فى غاية الكثره
وكما تلقانا فى أشعاره المبكرة أهاج مختلفة لموظفى الشرقية تلقانا عنده دعابات مختلفة تصور المزاج المصرى المعروف بالميل إلى الفكاهة والنادرة، وربما أراد بشكواه فى مدائحه من فقره وبؤسه إلى الدعابة، ويقول:
ولو أنّى وحدى لكنت مريدا ... فى رباط أو عابدا فى مغاره
وكأنه كان يشعر فى أعماقه بأنه خلق لا ليكون إنسانا يضطرب فى الحياة ومشاغلها اليومية ومكاسبها الضرورية له ولأسرته، وإنما ليكون عابدا ناسكا فى رباط صوفى أو فى كهف يخلو فيه للنسك والعبادة. ويبدو أنه مدّ إحدى رحلاته إلى الاسكندرية وتعرف على أبى الحسن الشاذلى صاحب الطريقة الشاذلية المشهورة، وانتظم فى سلك مريديه وطريقته الصوفية، حتى إذا خلفه أبو العباس المرسى على الطريقة ظل يلزمه، حتى عدّ ثانى اثنين من تلاميذه هو وابن عطاء الله السكندرى، وفى ديوانه قصيدة دالية يمدحه بها، ويعزيه فى شيخه أبى الحسن حين توفى سنة ٦٥٦ ويشيد به إشادة رائعة إذ كان من سلالة الحسن بن على بن أبى طالب، يقول: