إن الإمام الشاذلىّ طريقه ... فى الفضل واضحة لعين المهتدى
قطب الزمان وغوثه وإمامه ... عين الوجود لسان سرّ الموجد
فهو قطب الزمان وإمامه، وعين الوجود إذ كان يؤمن المتصوفة بأن القبس الإلهى المبثوث فى الأنبياء نقل إليهم وإلى أئمتهم، ويقول إنه من أهل الشريعة المحمدية والحقيقة الصوفية ويشير إلى أنه سليل الرسول صلّى الله عليه وسلم فهو محمدى نسبا وحقيقة صوفية وشريعة إسلامية.
ويبدو أن البوصيرى منذ صلته بالطريقة الشاذلية لم يتجه بأشعاره نحو المحبة الإلهية على نحو ما اتجه ابن الفارض، بل اتجه إلى المديح النبوى، وبلغ فيه ذروة لم يبلغها أحد قبله ولا فى زمنه، فقد نظم فيه ديوانا رائعا. وكان الصليبيون، شاهت وجوههم، يكتبون رسائل ضد الدين الحنيف وصاحبه، فرد عليهم طويلا فى مديحه النبوى، وأفرد للرد عليهم وعلى اليهود قصيدة طويلة فى نجو مائتين وسبعين بيتا، داحضا افتراءاتهم على الرسول الكريم ناقضا ما ادعاه النصارى من ألوهية المسيح وصلبه وما جاء فى التوراة المحرّفة من ارتكاب الأنبياء للمعاصى، وسمى قصيدته «المخرج والمردود على النصارى واليهود» ويتحدث فى حماسة فياضة عن صفات الرسول وسيرته ومعجزاته الباهرة وانتصاراته الساحقة على أعدائه وأعداء الله. ويكثر من المديح النبوى ومن التنويه بالخلفاء الراشدين وبالصحابة وآل البيت مصورا فى الرسول أزلية النور المحمدى المعنوى لبّ الوجود وروحه، وكأن للرسول وجودين هذا الوجود المعنوى الذى يستمد منه الكون وجوده والذى تعاقب فى الأنبياء منذ آدم، ووجود ثان حسى مادى هو وجوده حين ولد ثم بعث بشيرا ونذيرا، وبذلك اتحد المعنى والصورة أو قل الحقيقة المحمدية الأزلية وصورة الإنسان، على نحو ما نقرأ فى قوله:
محمد حجّة الله التى ظهرت ... بسنّة مالها فى الخلق تحويل
من كمّل الله معناه وصورته ... فلم يفته على الحالين تكميل
من آدم ولحين الوضع جوهره ال ... مكنون فى أنفس الأصداف محمول
فللنبوّة إتمام ومبتدأ ... به وللفخر تعجيل وتأجيل
ودائما يعصف الحنين بقلبه إلى زيارة مكة والمدينة عصف الوجد الملتاع، ودائما يردد معجزات