الرسول وجهاده فى غزواته، ودائما يكرر حقيقته الأزلية، حتى لكأنه مبدأ الوجود ومبدأ النبيين وأيضا خاتمهم، يقول:
كان سرّا فى ضمير الغيب من ... قبل أن يخلق كون أو يكونا
تشرق الأكوان من أنواره ... كلما أودعها الله جبينا
ختم الله النبيين به ... قبل أن يجبل من آدم طينا
فهو فى آبائهم خير أب ... وهو فى أبنائهم خير البنينا
فهو السر الأول فى الكون أو هو العلة الأولى، خلق قبل الكون وخلق قبل أن يجبل أو يخلق آدم، وكل نور فى الكون مستمد منه، وهو مبدأ الأنبياء ومنتهاهم، وهو أبوهم المعنوى الأزلى، فيه تبدأ الحياة وإليه تنتهى. ويكثر البوصيرى فى مدائحه النبوية من الضراعة للرسول أن يقبل توبته وأن يكون شافعه يوم القيامة حتى ينال رضوان ربه وغفرانه.
ويشتهر البوصيرى بمدحته النبوية المسماة بالهمزية وقد سماها «أم القرى فى مدح خير الورى» وهى فى نحو أربعمائة وخمسين بيتا وعنى كثيرون بشرحها، وهو فيها يجمل سيرة الرسول حتى يوقد حمية الشباب المحاربين للصليبيين، ويفتتحها بفكرة الحقيقة المحمدية وأن الرسول سر الوجود ونوره الذى يفيض على الكون وعلى الأنبياء من قديم، يقول:
كيف ترقى رقيّك الأنبياء ... يا سماء ما طاولتها سماء
إنما مثّلوا صفاتك للنّا ... س كما مثّل النجوم الماء
أنت مصباح كلّ فضل فما تص ... در إلا عن ضوئك الأضواء
فالرسول لا تبلغ منزلته ودرجته الرفيعة منزلة أى نبى أو رسول، إنه فى أعلى علّيين، وكل رسول إنما مثّل جانبا من صفاته الربانية، كما تمثّل النجوم المترائية على صفحة الماء النجوم على صفحة السماء. وإن كل ضوء ونور فى الكون ليستمد من مصباحه، فهو منبع كل نور ومصدره. ويتحدث عن مولده وما اقترن به من دلائل النبوة، ويفيض فى الحديث عن سيرته حتى مبعثه، ويعدد بعض معجزاته الباهرة وفى مقدمتها الإسراء، ويصور جهاده الباسل فى نشر دينه، ويرد على النصارى واليهود افتراءاتهم على الدين الحنيف، ويعرض بعض معتقداتهم الفاسدة، ويلم بعداء اليهود للإسلام وحربهم لرسوله. ويصور حجّته إلى مكة وأداء المسلمين