لمناسك الحج. وينوه بمواقف كبار الصحابة وبالصحابة جميعا وبأستاذيه الشاذلى وخليفته أبى العباس المرسى، ويتضرع فى أثناء ذلك للرسول أن يكون شفيعا له عند ربه فى محو ذنوبه.
وأروع من هذه المدحة النبوية مدحته الميمية المسماة بالبردة وقد عارضها كثيرون ويقال إنه كان قد أصابه فالج، فنظم هذه القصيدة وأتخذها شفيعا لدى الله كى يعافيه، وظل يكرر إنشادها ويبكى ويدعو ويتوسل، ونام فرأى النبى صلّى الله عليه وسلم يمسح على وجهه بيده المباركة ويلقى عليه بردة، وانتبه فوجد نفسه معافى، وشاعت القصة وسميت القصيدة البردة. وهو يفتتحها متغزلا بحجازية من ذى سلم أشعلت الحب فى قلبه، وهو إنما يتخذها رمزا لوجده الملتاع بحب الرسول عليه السلام، ويلم بأصل من أصول الطريقة الشاذلية. وهو كبح جماح النفس وردها عن شهواتها.
ويتحدث عن فضائل الرسول مبتدئا بفضيلة الزهد وكيف أنه لولاه لم تخرج الدنيا من العدم ويسترسل فى تصوير الحقيقة المحمدية الأزلية قائلا:
فاق النبيين فى خلق وفى خلق ... ولم يدانوه فى علم ولا كرم
وكلّهم من رسول الله ملتمس ... غرفا من البحر أورشفا من الدّيم
فإنه شمس فضل هم كواكبها ... يظهرن أنوارها للناس فى الظّلم
فهو يفوق الأنبياء صورة وخلقا وعلما وكرما وكلهم يلتمس من علمه وحكمته ويستمد من نوره، فنوره يتجلىّ فى الأنبياء جميعا ومهما تعددوا فى الأزمنة فإنهم شخصية واحدة وحقيقة واحدة هى الحقيقة المحمدية. ويفيض البوصيرى فى بيان معجزات الرسول، وخاصة القرآن معجزته الكبرى كما يفيض فى بيان جهاد الرسول وصحابته لأعداء الرسول ودينه الحنيف حتى استسلموا صاغرين. ويضرع للرسول أن يكون شفيعا له عند ربه كما يضرع لله أن يلطف به فى دنياه وآخرته. ولا تزال هذه القصيدة وأختها الهمزية تنشد إلى اليوم فى حفلات الموالد وحلقات الذكر الصوفى وله بجانبهما فى المدائح النبوية أناشيد أخرى رائعة.