للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الازدواج من حين إلى آخر، وسجعه خفيف. ويمده بغير قليل من التصاوير (١)، وتوقف القلقشندى فى كتابه صبح الأعشى ليذكر عنه كيف وضع رسوم الدعاء فى افتتاح الرسائل وكيف تبتدئ أجوبة الكتب (٢). وكان أهل بغداد فى زمنه يغبطون عليه مصر، ويقولون إن بها كاتبا- يقصدون ابن عبد كان-ليس لأمير المؤمنين بمدينة بغداد مثله (٣). وكانت رسائله متداولة بين الكتاب حتى زمن ياقوت فى القرن السابع الهجرى (٤).

ونمضى إلى زمن الدولة الإخشيدية وقد ترتب ديوان الإنشاء وكثر الكتاب فيه، غير أن أحدا منهم لم يشتهر شهرة ابن عبد كان، ومن كتاب الديوان حينئذ إبراهيم بن عبد الله النجيرمى، واشتهر برسالة طويلة له، ردّ بها على رومانوس حاكم بيزنطة، وكان قد أرسل إلى الإخشيد رسالة يفتخر فيها ويمنّ عليه بأنه كاتبه وعادته أن لا يكاتب إلا خليفة، فكال له النجيرمى الصاع صاعين، ولإعجابه برسالته كتب منها نسخا وأرسلها إلى العراق مفاخرا بها مباهيا (٥).

ويستولى الفاطميون على مقاليد الأمور بمصر منذ منتصف القرن الرابع الهجرى ويعظم ديوان الإنشاء فى زمانهم لا تساع دولتهم من أقاصى المغرب إلى نهر الفرات وامتداد سلطانهم إلى الحجاز واليمن وأيضا لأنهم كانوا أصحاب نحلة شيعية غالية اتخذوا لها دعاة كثيرين فى العالم العربى ونظموا الدعوة لها تنظيما دقيقا، فكان من الطبيعى أن يهتموا اهتماما واسعا بديوان الإنشاء القائم على كل شئون الدولة السياسية والإدارية والمذهبية، وفى ذلك يقول القلقشندى: «لما ولى الفاطميون مصر صرفوا مزيد عنايتهم لديوان الإنشاء وكتّابه، فارتفع بهم قدره، وشاع فى الآفاق ذكره، ووليه عنهم جماعة من أفاضل الكتاب وبلغائهم ما بين مسلم وذمى (٦)». وكانت لصاحب هذا الديوان منزلة كبرى لدى الفاطميين، فكان لا يتولاه-كما يقول القلقشندى-إلا أجلّ كتاب البلاغة، ويخاطب بالأجلّ ويلقب بكاتب الدّست، والدست صدر المجلس إشارة إلى أنه فى الصدر من مناصب الدولة «وكان أول أرباب الإقطاعات فى الكسوة والرسوم والملاطفات. . وله حاجب من الأمراء والشيوخ، وله فى مجلسه المرتبة العظيمة والمخادّ والمسند والدواة العظيمة


(١) الفن ومذاهبه فى النثر العربى ص ٣٤٩ وما بعدها.
(٢) صبح الأعشى ٨/ ١٦٠ وما بعدها.
(٣) صبح الأعشى ٣/ ١٧
(٤) معجم الأدباء ٦/ ٨٥.
(٥) المغرب فى حلى المغرب لابن سعيد: القسم الخاص بالفسطاط (طبع جامعة القاهرة) ص ١٦٧ وما بعدها.
(٦) صبح الأعشى ١/ ٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>