للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صلاح الدين وحديثه مسندا جامعا، وكتب المساند النبوية معروفة ومنها الجامع الصحيح للبخارى، وقد جانس بين الحديث أى الكلام السابق وحديث بمعنى جديد والطباق واضح بين كلمتى قديم وحديث. وتتوالى سجعات قصيرة أقامها على الجناس الناقص وكان كلفا بجميع صوره. ويجانس بين خلائق بمعنى طباع والخلائق بمعنى الناس والتورية واضحة فى كلمة الخلائق. وتتوالى جناسات ناقصة وتداخلها بعض التصاوير، فماء المحاسن غير آسن والجدّ أو الحظ غير عاثر. ويحاول الإغراب والابداع فى سجعه فيأتى بسجعة هى كلمة مفاخر تليها سجعة طويلة يداخلها طباق بين الأول والآخر. ويوغل فى إغرابه وإبداعه، فيأتى بسجعتين تداخلهما فى صدرهما سجعتان إذ يقول: «وبراعة لسان، ينسجم قطارها، وشجاعة جنان يضطرم نارها».

ويعمد إلى التصوير البارع فى السجعتين التاليتين فشواهد أنوار الخلال أو الخصال تتوضح، وكمائم نور المساعى وزهرها تتفتح. ويفزع إلى الطباق فى السجعات الخمس التالية وقد تصنع أو تكلف فى استخدامه للطباق بذكره المصطلحين النحويين: رفعا وخفضا، ولكنه تصنع مقبول، فقد استظهرهما فى خفة وعذوبة.

ولعل فيما قدمنا ما يصور بوضوح خصائص القاضى الفاضل فى كتابته الديوانية، وهى كتابة فيها روح مصر التى نشأ فى دواوينها وصقل لسانه فى رسائل كتابها من أمثال ابن الصيرفى والموفق بن الخلال، كتابة ليس فيها ثقل ولا تكلف بعيد، بل فيها انطلاق وسهولة مع الرونق وصفاء التعبير.

وتتردد فى الكتب التى ترجمت للقاضى الفاضل أو عرضت لبراعاته البلاغية عبارات مضيئة بحسنها البيانى كقوله عن صلاح الدين وأسرته:

«أنتم-يا بنى أيوب-أيديكم آفة أنفس الأموال، كما أن سيوفكم آفة أنفس الأبطال، ولو ملكتم الدهر لا متطيتم لياليه أداهم (١)، وقلّدتم بيض أيامه صوارم (٢)، وأفنيتم شموسه وأقماره فى الهبات دنانير ودراهم، وأوقاتكم أعراس إلا على الأموال فهى مآتم، والجود فى أيديكم خاتم، ونفس حاتم (٣) فى نقش ذلك الخاتم».

والقطعة تمتلئ بالاستعارات والتشبيهات الرائعة، مع ما يحفّ بها من الجناسات والطباقات، ومع ما صيغت فيه من العبارات الناصعة التى تلذ الألسنة والأفئدة. ومن هذا النسيج البديع قوله من رسالة فى صفة قلعة شاهقة، اسمها كوكب:


(١) أداهم جمع أدهم: يريد خيولا سودا معدة للحرب
(٢) صوارم: جمع صارم وهو السيف.
(٣) حاتم: جواد العرب المشهور

<<  <  ج: ص:  >  >>