للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انتهت صناعة الإنشاء ووقفت، وبفضله أقرت أبناء البيان واعترفت، ومن بحر علمه رويت ذوو الفضائل واغترفت، وأمام فضله ألقت البلاغة عصاها، وبين يديه استقرّت به نواها، فهو كاتب الشرق والمغرب فى زمانه وعصره، وناشر ألوية الفضل فى مصره وغير مصره، ورافع علم البيان لا محالة، والفاضل بغير إطالة».

وفيما يلى قطعة من السجل أو العهد الذى كتبه بلسان العاضد آخر الخلفاء الفاطميين مسندا فيه الوزارة إلى صلاح الدين، يقول بعد أن صوّر ما قدمه هو وعمه أسد الدين شير كوه للعاضد من عون متحدثا بلسان الخليفة:

«ولو لم يكن لك هذا الإسناد فى هذا الحديث، وهذا المسند الجامع من قديم الفخر وحديث، لأغنتك غريزة، عزيزة، وسجيّة، سجيّة (١)، وشيمة، وسيمة (٢)، وخلائق، فيها ما تحب الخلائق، ونحائز (٣)، لم يحز مثلها حائز، ومحاسن، ماؤها غير آسن (٤)، ومآثر جدّ غير عاثر، ومفاخر، غفل عنها الأول ليستأثر بها الآخر، وبراعة لسان ينسجم قطارها (٥)، وشجاعة جنان تضطرم نارها، وخلال جلال (٦) عليك شواهد أنوارها تتوضح، ومساعى لديك كمائم (٧) نورها تتفتح. . وابسط يدك فقد فوّض إليك أمير المؤمنين بسطا وقبضا، وارفع ناظرك فقد أباح لك رفعا وخفضا، واثبت على درجات السعادة فقد جعل لحكمك تثبيتا ودحضا، واعقد حبى (٨) العزمات للمصالح فقد أطلق بأمرك عقدا ونقضا. وانفذ فيما أهّلك له فقد أدّى بك نافلة من السياسة وفرضا، وصرّف أمور المملكة فإليك الصّرف والتصريف، وثقّف أود (٩) الأيام فعليك أمانة التهذيب والتثقيف».

وإنما اخترت هذه القطعة من سجل أو عهد كتبه الفاضل سنة ٥٦٤ لأدل على أن خصائص فنه النثرى كانت قد استوت وتهيأت له مبكرة، وقد استهل القطعة بذكر الإسناد والحديث كأنه يريد أن يحدث تورية، فهو لا يريد الحديث النبوى وإنما يريد ما سبق فى العهد من حديث عن عم صلاح الدين وجهوده التى بذلها للخليفة الفاطمى، وجعل لصلاح الدين إسنادا فيه لا من السند وإنما من المساندة والمساعدة، ومضى فى تورياته المتصلة بالحديث النبوى، فجعل قديم فخر


(١) سجية: خليقة، وسجية الثانية: دائمة.
(٢) وسيمة: جميلة
(٣) نحائز جمع نحيزة: طبيعة.
(٤) آسن: متغير الطعم.
(٥) قطارها: قطرها ومطرها.
(٦) جلال: عظام.
(٧) كمائم: جمع كميمة وهى غطاء النور والزهر.
(٨) حبى: جمع حبوة، وهى الثوب يديره الجالس حول ساقيه وظهره للاستناد عليه
(٩) أود: اعوجاج.

<<  <  ج: ص:  >  >>