للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والولاة بتقلد أعمالهم، ومن ذلك العهد الذى كتبه عن العاضد بتولى أسد الدين شيركوه الوزارة فى شهر ربيع سنة ٥٦٤ وتفويض كل شئ إليه، وأيضا العهد الذى كتبه عن العاضد فى نفس السنة حين توفى أسد الدين فى جمادى الآخرة بتولى ابن اخيه صلاح الدين الوزارة بعده. وكان القاضى الفاضل قد وثّق الصلة به وبعمه، وأنس به صلاح الدين وتمكن منه غاية التمكن كما يقول ابن خلكان، فلم يكتف له برياسته لديوان الإنشاء، بل اتخذه وزيرا، قلما يبرم شيئا إلا بعد مشورته، وكان إذا أناب عنه أحدا من أفراد أسرته بمصر فى اثناء غزواته للصليبيين أبقاه معه لإدارة دفة السياسة، وكثيرا ما كان يصحبه معه فى مواقعه مع الصليبيين، وخاصة منذ منازلته لهم فى حطين وفتح القدس.

وكان القاضى الفاضل اللسان المبين لصلاح الدين طوال حكمه يكتب عنه إلى الخلفاء العباسيين والملوك والولاة مسجلا أحداث زمنه ومبلغا عنه عهوده وسجلاته وتوقيعاته إلى كل من تشملهم راية حكمه من الإسكندرية إلى الفرات وإلى النوبة وأقاصى الصعيد والحجاز واليمن. وبلغ من تقدير صلاح الدين له أن كان يقول لأصحابه، لا تظنوا أنى ملكت البلاد بسيوفكم، إنما ملكتها بقلم القاضى الفاضل. وللفاضل كتب كثيرة وجّه بها إليه، تفيض بالحب والإجلال والإعزاز، وكان حاضرا وفاته بدمشق سنة ٥٨٩، وبكاه بكاء مرا. وولى بعده على مصر ابنه العزيز فآزره، وظل عنده فى نفس المكانة التى كانت له عند أبيه والرفعة ونفاذ الأمر، وتوفى العزيز سنة ٥٩٥ وخلفه ابنه المنصور وكان صبيا فظل على ولائه له وعونه، حتى قدم الأفضل عمه من الشام. ولم يلبث السلطان العادل أخو صلاح الدين أن قدم إلى مصر بنية أخذها من المنصور وعمه الأفضل فى سنة ٥٩٦ وكانت بينه وبين القاضى الفاضل وحشة كما يقول ابن تغرى بردى، فدعا الفاضل على نفسه بالموت-فيما يقولون-واستجاب الله دعوته فبينما كان العادل داخلا من باب النصر كانت جنازة الفاضل خارجة من باب زويلة.

وكان الفاضل شاعرا وله ديوان شعر مطبوع، كما كان كاتبا، ودوت شهرته فى الكتابة، وعدّ فيها رئيس مدرسة تبعه فيها المصريون والشاميون، وفيه يقول العماد الأصبهانى فى كتاب الخريدة:

«ربّ القلم والبيان واللّسن واللسان، والقريحة الوقّادة، والبصيرة النقّادة، والبديهة المعجزة، والبديعة المطرزة، والفضل الذى ما سمع فى الأوائل بمن لو عاش فى زمانه لتعلق بغباره، أو جرى فى مضماره، فهو كالشريعة المحمدية التى نسخت الشرائع، ورسخت بها الصنائع، يخترع الأفكار، ويفترع الأبكار، ويطلع الأنوار، ويبدع الأزهار». ويقول النويرى: «إلى القاضى

<<  <  ج: ص:  >  >>